كانت الحرارة تلامس الخمسين وللتو فرغ السعوديون من صلاة الجمعة، الوجوه قلقة، وأماكن بيع الصحف مكتظة.. الكل يبحث عن ما هو موقف السعودية، ولكن الصمت هو الإجابة.. الجمعة 3 أغسطس 1990.. حدث هز العالم قبله بيوم والسعودية صامتة.. ضجت الدنيا بالتحليلات والآراء عن الموقف السعودي الغريب والمريب.. وفجأة تحركت السعودية فحسمت وقلبت الطاولة.. ربع قرن لم يتغير الصمت والهدوء السعودي بل تطور وازداد دهاء.. أحداث سياسية واقتصادية عظام مرت بعد أزمة الخليج وما زال الصمت السعودي ينتصر.. أين من كان ينظر في عام 1997 أن عصر النفط انتهي، وأن أوبك توفيت.. ولن يزيد النفط عن عشرين دولارا في عشرين سنة اختفوا وبقيت السعودية.. أين من كان ينذر أن اقتصادنا مستقبله أسود، وألا أمل في معالجة الدين العام.. اختفوا وبقيت السعودية.. أين من كان يبشر بأن الربيع العربي جوهرته السعودية.. غريب أمر هذا الوطن يخطو واثقا صامتا وسط ضجيج أعدائه. صمت يضجر منه حتى أبنائه المخلصين.. ولكنه الأجدى.. لم نعرف شيطانا أكبر ولا وحدة واشتراكية.. لم نعرف نكسة أو نكبة.. لسنا المدينة الفاضلة لا شك، لكننا الأحكم والأصدق.. في منطقه تضج بالدماء والدمار، يلاحق إعلام العالم علي النعيمي ليحصل على كلمة.. فينفخ في الميكروفون.. لأنه يعرف أنه حتى نفخته مهمة في اقتصاد العالم.. تنتظر المنطقة ميزانية متقشفة للبلد الأضخم اقتصادا فيبتسم إبراهيم العساف وهو يعلن عن الإنفاق الأعظم في تاريخ المملكة.. المملكة العربية السعودية البلد الوحيد من البلدان المؤسسة لجامعة الدول العربية لم تخسر شبرا من أراضيها أو تدمرها حروب وثورات.. وخلال العقد الماضي واجهت أعتى الأزمات وتصدى لها قائد يحبه الناس بلا رتوش أو تجييش.. في المنطقة ينتهج الكبار استراتيجيات.. تصدير الثورة.. تصفير المشكلات.. والسعوديون لهم استراتيجيتهم التاريخية.. التوكل على الله ثم الصمت والحبال الطويلة.. ما أكثر الضجيج في السنوات الأخيرة.. والاحتفالات بانتصارات تكتيكية أو فورات نفوذ.. ثم تأتي السعودية وتحسم كل شيء.. ما زالت السعودية تضحك أخيرا وتضحك كثيرا..