إن ما لديه القدرة على خلق ما يخيفنا حقا هو ما ينتج عن خيالنا، أكثر مما نسمعه أو نراه مما يجري يوميا حولنا، خاصة على ساحات الأحداث العالمية من همجية وتوحش، إن تركنا الأمر لهذا الخيال بأن يتمكن منا فلن يوقفه أي شيء عن خلق أسوأ السيناريوهات التي ستقتحم بدورها عقولنا بكل سهولة، وستتوالد في اتجاه واحد، من سيئ إلى أسوأ! إنها مجرد أفكار نعم، ولكن يجب أن ننتبه لها كونها قادرة على فتح ملفات في أدمغتنا من مواقف وأحداث وصور لما مررنا به خلال مسيرة حياتنا، فهنالك ملفات سلبية كما أن هنالك ملفات إيجابية، ولنعلم بأنه حتى الفشل الذي تعلمنا منه يعتبر تجربة وبهذا يصبح ملفا إيجابيا... وحين نسمح للملفات السلبية أن تأخذ حيزا كبيرا من ذاكرتنا فإننا بدورنا نفتح الطريق ونمهدها أمامها كي تُنتج عند كل تحدٍّ خوفا وقلقا، تجمد أو ربما تراجع!

إننا كبشر لدينا قدرات هائلة في التفكير بكل ما قد يعيقنا عن التحرك، من إجراء تغييرات حاسمة إلى اتخاذ قرارات مصيرية، أو حتى مجرد طرح فكرة جديدة، حتى لو أدركنا ما يجري داخل رؤوسنا، إن هذا لا يكفي إن لم نبدأ على الفور بإغلاق هذه المشاعر ووضع السدود أمامها من خلال التفكير بكل الأمور الإيجابية التي مررنا بها، فإن لم نفعل ذلك نكون نعرض أنفسنا إلى الإصابة بما يسمى بشلل اجتماعي، قد يجمدنا في أماكننا أو يجعلنا ندور في حلقات مفرغة! إنه الخوف من المجهول وبدلا من التعامل معه كتحدٍّ يتم التعامل معه كمشكلة! هنا نخط بأيدينا خارطة الفشل، حيث تتجمع الأعذار على اختلاف أنواعها لتبرير هذا الفشل ونضيع حينها بين جلد الذات وبين لوم الآخرين، أفراد ومجتمع! يجب أن ندرك بأنه متى ما تملكتنا مشاعر الخوف والرهبة سنهجر كل المحاولات لإيجاد مخرج آمن، وبدلا من أن نكون أفرادا منتجين نصبح عبئا على الأسرة والمجتمع.

لا يجب أن نلغي مشاعر الخوف كليا فهي عادة ما تدفعنا إلى المواجهة، إنها المشاعر التي تنتابنا حين نجرب شيئا جديدا لأول مرة، كالتحدث أمام الناس في محاضرة أو ندوة، بالفصحى أو أي لغة أجنبية، أو بدء التدرب على مهارة جديدة، أو العمل مع مجموعة جديدة في ورشة عمل، دورة تدريب، وظيفة جديدة، أو حتى تسلق شجرة أو السباحة في بحر، ولكن المهم هنا ألا نسمح لهذه المشاعر أن تتملكنا وتشوش على تفكيرنا وعملنا، ونصم آذاننا للكلمات السلبية التي ستنهمر كحبات المطر واحدة تلو الأخرى إلى أن تغرقنا، فالكلمات تتحول إلى جمل، والجمل إلى قناعات، والقناعات إلى سلوكيات تهاجم الذات أو الظروف أو من تعتقد بأنه السبب أو العائق!

كيف نحمي أنفسنا؟ كيف نتخطى كل هذا التشويش؟ بكل بساطة الحل يبدأ من المنزل، من بين يدي المربي الأول، الأم... هي من يعول عليها بناء تقدير الذات والثقة بأنفس أبنائها، أن تصبغ ذواتهم بالرؤية الإيجابية نحو أنفسهم، أن تدفعهم نحو تجربة كل جديد وتزين لهم كل تحدٍّ، أن تعلمهم بأن الفشل وارد أكثر من النجاح ولكنه يتحول إلى نجاح إن تعاملنا معه بإيجابية واعتبرناه مرحلة في طريق النجاح، أن تعودهم على تقصي التوازن بداخلهم من خلال التفاعل مع محيطهم من منطلق قوة وليس من ضعف، أن تعلمهم تقدير الجمال حولهم من الطبيعة إلى النفس البشرية، أن تعلمهم كيف أنه بمعرفة النفس والتنبه لكل ما يجري بداخلها نصل إلى احترام الذات، وأن التحدي هو الآن... الحاضر من مكان وزمان وما يملأه من بشر، وأن أي تحرك يجب أن يكون دائما إلى الأمام.

أما الخطوات التي يجب أن نتبعها كأفراد بالغين، تتشكل على النحو التالي: التخلص من الأفكار السلبية وإحلال الإيجابية مكانها، التعامل مع كل موقف يواجهنا على أنه تحدٍّ لا مشكلة، أن ننقح كلماتنا من كل ما هو غامض أو سلبي حين المواجهة مع الغير، رفع الرأس والنظر إلى أعلى بجسد غير منحنٍ أو وقفة انكسار، بهذا نرسل إلى الدماغ أننا بحالة قوة وثقة، وإن لم نكن أو حتى بداخلنا شيء من الخوف، فرسائل الجسد ستوهم العقل بغير ذلك، ومن ثم يبدأ بإرسال التعزيزات من المشاعر والأفكار الإيجابية، أي إن احتاج الأمر أن نخدع الدماغ فلنخدعه.

الخلاصة أننا نحن من يختار وبيدنا القرار، ولا يحق لنا أن نلوم الغير لمواقف نحن عجزنا عن مواجهتها، كفانا تبريرات...كفانا توزيع التهم... لا خبير أكثر منا في معرفة ماذا يدور في أعماق ذواتنا، فإن أردنا... نحن نشق طريقنا بالعقل بالبصيرة والتأمل، ولنكن كالنهر إن لم يجد طريقا صنع مجراه.