يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية لا تتخلى عن دورها في صناعة الفوضى المدمرة للدول التي تحتلها، فها هي الآن بعد العراق ستعيد السناريو في أفغانستان، بعد أن أعلنت بدء انسحاب جنودها وتخليها عنها تدريجيا حتى عام 2016 ولتتركها هي وحلف الناتو للفوضى والميليشيات والقبائل المتناحرة.
أميركا تفعل ذلك، لكن نحن من يدفع الثمن غاليا، إذ إنه ليس لدينا قدرة على كبح جماح شبابنا عن الالتحاق بالمتناحرين هناك، ولأن أفغانستان ستشرع أبوابها مجددا فمن يستطيع أن يمنع صناعة "قاعدة" جديدة و"بن لادن" آخر، وبلا شك بلاد العرب هي المتضرر الأكبر!
قد تبدو مقومات أفغانستان الجديدة مختلفة كليا عن العراق، في ظل أن أميركا قد صنعت الديكتاتور في الأخيرة الذي أحرق الحرث والزرع وفتك بكل مناؤية طائفيا، وبما صنع موجة تناحر جديدة بفكر مختلف عن السابق، فلم يكن المالكي إلا طاغية كما المصنوع الآخر الداعشي البغدادي، وفي النهاية الشعوب من يدفع الثمن، وليمتد الثمن ليطالنا بدعوة أبنائنا من قبل دعاة الشر للالتحاق بما أسموه جهادا.
حاليا أفغانستان تحضر بحلة جديدة، بالتأكيد ستكون مشجعة أكثر وإن كانت هذه المرة وبعد نحو أربعين عاما منذ افتتاحها أميركيا لصناعة إرهاب تدميري مختلف جدا، والأكيد أن افغانستان الجديدة لن تكون كما السابق بتذاكر وتسهيلات حكومية، ومراكز استقبال باكستانية تعد المجاهدين للقتال في جبال تورا بورا بدلا عن الأميركي الذي اكتفى بالتخطيط والتمويل السلاحي، وببعض البغال الأميركية تلك الهدية التي أثرت على توازن الحرب وهي الخاصة
بالـ800 بغل التي حملت العتاد والسلاح إلى أعلى قمم الجبال وسهلت ضرب الطائرات الروسية.
بالتأكيد، إن أميركا فشلت في أفغانستان وزاد من حوبتها أنها دفعت ثمن صناعتها لمحاربي أفغانستان غاليا، وهي الآن تفعل ما فعلته في العراق بتركها البلاد في ظل الفوضى الكبيرة القائمة لتساعد في بناء الإرهاب من جديد، على الأراضي الأفغانية التي لم تعرف الاستقرار بعد.
لكن ومع المقومات الحاضرة الآن لمشروع تناحري أفغانستاني جديد، ما الذي علينا فعله؟، بل كيف نحمي أبناءنا من شر الفتنة هناك؟، ومن شرهم حينما يعودون؟
مثل هذا الأمر جدير بأن يثار ويناقش قبل أن تقع الفأس في الرأس، جدير أن نقرأ تجاربنا السابقة، وكيف دفعت بنا سذاجتنا إلى قراءة الواقع بالمقلوب، حسب التفسير الأميركي للأحداث التي لم يخبرنا أنها حربا ضد السوفيت بواسطتنا، وليس جهادا إسلاميا لتحرير أفغانستان من الشيوعيين؟!
الموقع الاستراتيجي الأفغاني الجديد للتكفيريين الجدد، يدفعنا إلى أن نعيد صياغة خطابنا الداخلي بقطع دابر الداعين إلى الجهاد، من دعاة الفتنة والتحريض، الذين يتنعمون في قصورهم، أصحاب مقولة حدثني من أثق به أن رائحة مسك وعنبر تشمها في أجساد الشهداء! الآن وبعد أن أعيانا عدد السعوديين المنضمين إلى الحركات التكفيرية في العراق وسورية وقبلهما أفغانستان واليمن، جدير بأن نقرأ تاريخنا جيدا ونعيد التعامل معهم، حتى لا نكرر أخطاءنا، والأهم أن يكون هناك هدف قومي لحماية أبناء هذه البلاد من تكرار الأخطاء السابقة، الكل يشارك فيه حتى لا ندفع الثمن غاليا من جديد!