كمواطنة أعشق هذه الأرض وأهلها.. أدعو الله سبحانه أن يحفظها حكومة وشعبا ويسدد خطاها ويرفع قدرها ويمكنها من حماية مقدراتنا البشرية والمادية ويسددها لما فيه صلاحنا حاضرا ومستقبلا.
الموضوع الذي سأتحدث عنه اليوم في غاية الأهمية.. فغدا - والله أعلم - من المقرر أن يصوت الأعضاء في مجلس الشورى على أمر لا يتعلق بحياتنا نحن بل بحياة أبنائنا وأحفادنا بارك الله بهم..
وعليّ أن أذكر الأعضاء الكرام بما قاله لهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - حفظه الله - في افتتاح الدورة السادسة لمجلس الشورى إذ قال: "إن مكانكم في مجلس الشورى ليس تشريفا بل تكليف وتمثيل لشرائح المجتمع السعودي، ولذلك فإن له تبعاته من المسؤولية التي تفرض عليكم تفعيل العطاء وتحكيم العقل في مواجهة أي مسألة تعرض عليكم".
ومن هنا آمل منهم مراجعة لغة الأرقام قبل التصويت لصالح "الوثيقة السكانية للمملكة" التي أعدتها وزارة الاقتصاد والتخطيط وطلبت التصديق عليها.. فالدراسة التي قامت بها نفس الوزارة تحت عنوان "السياسة السكانية للمملكة عام 1433الموافق 2012، ذكرت في صفحة "18و 19" منها:
• أن النمو السكاني للمواطنين في المملكة العربية السعودية شهد تراجعا ملحوظا خلال العقود الثلاثة والنصف الماضية فمن 3.9% بداية الفترة، وصل في نهايتها إلى 2.2%، كما أكد التقرير نفسه أن معدل النمو السكاني للسكان من غير المواطنين كان دائما في تفوق ملحوظ عن معدل النمو للمواطنين، فقد بلغ في بداية الفترة 10.5% ليصل في نهاية المدة إلى 5.8%.
وهذا ما يثبته الواقع المعاش فالشباب حاليا وبشكل عام لا يفكرون في الإنجاب، بل بعضهم يجعل من إكمال دراسته أولوية تستدعي تأجيل الإنجاب لسنوات.. هذه الإحصائيات مقلقة للغاية وتستدعي التدخل الحكومي، فبلادنا شاسعة الأطراف وخيرها بحمد الله كثير والطامعون فيها كثر، وهذا الواقع لا يخفى على أحد، ولدينا جيران دعموا زيادة معدل النمو السكاني بشكل قانوني وجرموا من عمد لتنظيم النسل، كإيران مثلا، أخشى أن يجدوا أنفسهم بلادا غنية قليلة العدد، وليتنا نتوقف عند سياسة فرنسا مثلا: المشجعة للأسرة التي تشمل الأم العاملة فتمنحها إجازات وامتيازات أكثر للولادات المتكررة، تصل إلى 12 شهرا للطفل الرابع، بل تمنح الأب إجازات مدفوعة لرعاية زوجته وطفله.
ومن جانب آخر:
• أكدت هذه الدراسة في صفحة "27" منها، أن عدد المواطنات اللاتي لم يسبق لهن الزواج في جميع الأعمار في تزايد ملحوظ ففي الفئة العمرية "15- 19" ذكرت أن النسبة 96%، أما الفئة العمرية "25-29" فنسبتها تصل إلى 25.8%، وذكرت أن العلة من هذا الإحجام قد تكون بسبب إقبال الفتيات على إكمال تعليمهن الجامعي..
• كما أكدت الدراسة أن سياسة المملكة الصحية نجحت في خفض عدد الوفيات من الأطفال، فعلى سبيل المثال: ذكرت في صفحة "29" أنه في عام 1390هـ 1970م، كان عدد الوفيات الرضع "120" حالة وفاة لكل ألف مولود، وفي عام 1431هـ 2010م، وصلت نسبة الوفيات إلى "17.3" حالة وفاة للعدد نفسه.
كما أن هذه "الوثيقة" تتضمن عبارة مطاطية فقد جاء فيها: "تنظيم الإنجاب عبر خفض معدل الخصوبة الكلي وتشجيع التباعد بين الولادات"! في حين كنت أتطلع إثر وقوفي على ما ذكرت في الدراسة المشار إليها.. المطالبة بالاهتمام بحل المشكلات التي تقف عقبة في وجه ارتباط الشباب وإنجابهم.. فأي خصوبة ترغبون خفضها وشبابنا لا يولي الإنجاب ذاك الاهتمام..! ثم لماذا رفض بعضهم اقتراح لجنة الشورى الذي أوصى بتغيير تلك العبارة إلى "تشجيع الرضاعة الطبيعية"، التي تنظم النسل بشكل يصب في مصلحة الأم والطفل ويحمي صحتهما معا؟
لا شك أن سياسة المملكة العربية السعودية تدعم الاتفاقيات الدولية التي تتماشى مع إرادتها السيادية ومصلحتها الوطنية، ولكن ما حدث في مجلس الشورى الأيام الماضية حول الوثيقة فهو أمر محير للغاية فبين معارض لها، ومؤيد يطالب بالتصويت عليها دون أي تغيير، بل ودون التوقف عند بعض المصطلحات الملغمة التي وردت بكثافة في هذه الوثيقة، مصطلحات لها دلالات دولية معروفة، فعلى سبيل المثال "الصحة الإنجابية" مصطلح أممي يحتوي بين طياته الخير والشر، وإن كان شره بالنسبة لنا كمسلمين ولغيرنا عظيم جدا، فالمملكة تؤيد مطالبتها برعاية صحة الأم والطفل والرضاعة الطبيعية، وهو بحمد الله متحقق في بلادنا تصدقه الإحصاءات الدقيقة، ولكن الخطر من هذا المصطلح الملغم ينبع من أن له دلالات سلبية غير محمودة العواقب على كافة الأصعدة في بلادنا، وآثارا تتعارض جملة وتفصيلا مع تعاليمنا الدينية.
وإذا أردنا أن نستوعب ماهية "الصحة الإنجابية" سنجدها وكما أعلنت الكثير من لجان الأمم المتحدة في اتفاقياتها تدعو إلى حرية الإجهاض وإعطائه الشكل القانوني، ثم إن "الصحة الإنجابية" التي تطالب بمنع الزواج المبكر، تدعو المجتمع الدولي لحماية وتعزيز حقوق المراهقين الجنسية وتقديم كافة المعلومات والخدمات لإقامة هذه الفئة العمرية علاقات جنسية آمنة، مع المطالبة بحماية حقوقهم الجنسية والتعامل معها بسرية تامة، وتوفير الخدمات والوسائل التي تمنع الحمل، وجعلها في متناول أيديهم، كما أنها تعد العلاقات المثلية حرية شخصية، وتطالب المجتمع الدولي باحترام خيارات أصحابها!
آمل ممن كلف برعاية شؤوننا وتم اختياره على علم ليقرر عنا، أن يتدبر خياره.. فقد يأتي من يطالب بتوفير كل المعلومات والخدمات الجنسية لأحفاده بنين وبناتا، ويرسخ في أذهانهم أنهم أحرار في إقامة علاقات خارج نطاق الزواج، وأن العلاقات المثلية حرية شخصية يدعمها القانون الدولي.. عندها قد لا يكون موجودا - أطال الله في عمره- ليفهمهم أنه عندما صوت لهذه الوثيقة، ولإبقاء مصطلح "الصحة الإنجابية" كان يتعامل معها بحسب مداليلها اللغوية لا الاصطلاحية الدولية!
كما علينا دوما أن نتذكر أن المملكة العربية السعودية شريك استراتيجي له الحق في القبول أو الرفض، لا تابع للمجتمع الدولي، وهو ما أثبتته الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة، والله المستعان.