من يظن أنه يستطيع "بالهياط" فعل أي شيء فهو مخطئ وسيعيش أبد الدهر "مهايطا"، وأقصد هنا سلوك الصياح والجلبة، الذي ظهر بحجة البعد عن تطبيق الشريعة وتبناه بعض المتحدثين باسم الدين في قضية كشف الوجه التي أثيرت أخيرا، ممن قدموا أنفسهم على الساحة الاجتماعية على أسس ومبادئ العلم الشرعي والأكاديمي، وهم مع الأسف لا يفقهون في أبسط أبجديات التعامل العلمية والأخلاقية، وتبين كيف أن التربية والتنشئة الاجتماعية هي التي تتحكم في سلوك الإنسان مهما برز وحاز على منصب أو مكانة، وأن هناك فئة ظنت أنها احتكرت الدين على نفسها ثم ادعت حمايته بالباطل، وهي لم تجد في ردائه سوى المراكز والوجاهة التي تصنع لها القيمة بين الناس، وكيف أن العمل بملوثات التقاليد في السلوك الاجتماعي بما يقتضيه خطابهم هو الأكثر إلزاما والتزاما من الإرشاد إلى العمل بما ييسره الدين، وتختلف عليه المذاهب الفقهية المعتبرة، التي لم تظهر في أصلها إلا تلبية للتنوع التابع للحاجات الإنسانية.
الذي حدث لم يقتصر على إثارة الرأي التقليدي بما فيه من أبعاد ومضامين نمطية، إنما اتسع الحديث إلى مجالات أوسع، أعطت بالتالي مؤشرات خطيرة وضارة قد تمس الأمن الاجتماعي.
فمثل هذه الآراء والنقاشات التي تصل إلى مستوى شنيع من الخلاف حين تعرض على العامة؛ ستكون لها انعكاسات سلبية عدة، فإن لم يفقد الفرد الثقة في الخطاب الديني؛ فإن هذا الأسلوب سيربي فيه العنف والوحشية وسوء الأدب وكل هذا باسم الدين، كما حدث من قبل وما زال يحدث. وفي المقابل قد يثير النعرات العصبية والقبلية، عندما يواجه شخص ما يعود انتماؤه لقبيلة لها ثقلها ووزنها وتاريخها بين العشائر بموقف عام لرجل دين يتمثل في إهدار الدم أو التهديد بالقتل والضرب، وعروض المواجهة لتعليم الأدب! ففي ذلك تحريض علني قد يثير اندفاع البعض لأفعال إجرامية ستخلق زعزعة أمنية على المستوى العام.
الخوف الذي يعاني منه هؤلاء المشايخ المتعصبون، هو أن يلجأ الناس في رأيهم إلى من يختلف معهم، وهذا ظنا منهم أن ذلك يُلغي دورهم، غير أن سوء الأخلاق في المعاملة والاختلاف ليست من سمات طلاب العلم الشرعي، إنما هي تعبير عن روح المحرض العصبي القائم في ذواتهم، ومنها يرون أن من حقهم وحدهم تحديد الأصلح، فهم يتسابقون استحواذا على عواطف الجماهير لأهداف ذاتية، وللحيازة على رصيد شعبوي لتحييد الآراء الأخرى.
تنظيم المجتمع السعودي والحياة الاجتماعية فيه يجب أن يبدأ من اعتبار أن مسألة الاستقرار الاجتماعي مسؤولية نظامية، يجب أن توضع القيود لضبطها، فالمطلب اليوم يكمن في إيجاد التشريعات الصارمة التي تحقق ذلك، بما فيها ضبط الخطاب الديني وضبط الفتوى والحد من "الهياط".