بعض المثقفين والأدباء والمفكرين الكبار لا يجدون حرجا في تحديد منجزات لغيرهم تمنوا لو أنهم أنجزوها لأنها توافق اتجاهاتهم وإبداعهم، ولكنهم لا يغوصون في اقتباسها أو تضمينها بما يقاربها مع الفكرة بحيث تبدو مستنسخة، لأن ذلك يشي باختراق أخلاقي للفكرة لا يخدم الطرفين أو المتلقي، وفي الوقت ذاته مطلوب حد أدنى من الاحترام في التعاطي مع القضايا الفكرية حتى لا تتشوه المواضيع وتتحول إلى تماس مع اتهامات بالسرقة والسطو المعنوي والأدبي على الملكيات الفكرية.

وأنا أتابع ما حدث من نشر مقالين في موضوع واحد للزميلين الدكتور أسامة القحطاني الذي نشر مقاله أولا في الثالث عشر من الشهر الحالي وأتبعه عبدالله العلمي في السابع عشر من الشهر ذاته، قفز إلى ذهني تماس مع قضية الانتحال في الشعر الجاهلي، وهي كانت من القضايا التي استطرد فيها النقاد والمستشرقون والأدباء، قديما وحديثا، وفيها ينسب شاعر أو راوٍ ما شعرا مزيفا إلى شاعر آخر قديم ليس هذا الشعر له.

في تلك الفترة الغابرة كان الشعر الجاهلي يتداول شفاهيا بحيث يكون قابلا للتحريف عن طريق النسيان أو غيره ما دام التوثيق غير مكتوب في أصله، ولكننا في عصر إذا أرسلت فيه أيقونة لزهرة أو كلمة بسيطة مثل شكرا يوثقها العالم بأسره، مما يضعف أي اتجاه للانتحال أو التحريف، ومن يسبق في الطرح يمتلك حقوق الملكية الفكرية لطرحه، ولذلك فإن في قضية نشر مقالي القحطاني والعلمي نجد أنفسنا في تماس مع قضية ذات مشابهة تفترض أن نحسن الظن في الاتجاهات المطروحة إن وجدنا لذلك سبيلا، وإن لم نجد فإننا نصبح في مواجهة حقيقة سلبية للأسف توجب اعتذارا واحتفاظا بالاحترام.

القضية الجدلية بين الكاتبين تتضح في مقال نشره الدكتور القحطاني في هذه الصحيفة التي يكتب فيها بشكل أسبوعي بعنوان "تدوين الأحكام بعد 42 عاما من المنع"، تناول في مستهله خريطة زمنية تدوين الراجح من الأحكام الشرعية للإلزام به متخذا مرجعية له بما صدر مؤخرا من أمر خادم الحرمين الشريفين بتشكيل لجنة شرعية موسعة لوضع مدوّنة أحكام شرعية لتكون نواة لتقنين الأحكام مستقبلا، وهي تعتمد على قرار آخر لهيئة كبار العلماء صدر في عام 1431 - حسب القرار - بجواز التدوين فيما يبدو.

الكاتب عبدالله العلمي أعقبه بعد أربعة أيام بنشر مقال له بعنوان "الفتوى غير ملزمة" في السياق ذاته الذي تناول فيه القحطاني قضية الأحكام بدءا من الاستطراد المرحلي الزمني للتدوين، وحين نقرأ المقال نجده يأخذ حيزا كبيرا من أفكار مقال القحطاني إلى درجة التماس البائن، وحسن الظن الذي أشرت إليه سابقا أعني به هنا أن يكون الأمر توارد خواطر، ولكن الفارق الزمني كبير، والتوارد يتطلب هامشا زمنيا ضيقا، وذلك ينتفي معه هذا التبرير إلا إذا أثبتنا أن العلمي لم يطلع مطلقا على مقال القحطاني.

وفي تقديري أن من حق القحطاني أن يبحث عن "ملكيته الفكرية" للمقال، ذلك طبيعي حتى لا تصبح هذه قضية فكرية سهلة يمكن للجميع أن يتعاملوا معها باستهتار، وكلنا نكتب المقال ونأمل أن يتسع لمساحات فكرية متجددة في طرحها وأسلوبها ولغتها، وذلك لم يكن واضحا في مقال العلمي التالي لمقال القحطاني، لأننا نجد كثيرا من الالتقاطات والاتجاهات بذات السياق واللغة تقريبا، وبناء المقال بشكل عام جاء على النحو الذي بنى به الدكتور القحطاني المقال، ابتداء بالسرد التاريخي لتدوين الأحكام، وانتهاء بتلخيص التقنين والتدوين.

حين انتهى القحطاني من الخريطة الزمنية وصل إلى نقطة الرغبة الملكية بإنجاز التدوين بأسرع وقت، حيث حدد 180 يوما لإنهاء ورفع مشروع مدوّنة الأحكام، وهو الأمر ذاته الذي وصل إليه العلمي، الذي تناول أيضا سؤال القحطاني حول أبواب الأحكام وما إذا كانت ستكون مشمولة بالمدونة أم لا، وصولا إلى ما إذا كانت المدونة ستكون استرشادية غير ملزمة، بخلاف ما لو سميت بـ"التقنين" الذي يشير إلى الإلزامية، ويتطابق العلمي في استخلاصه مع القحطاني الذي يرى أن البدء في مشاريع التقنين والتدوين يعتبر الحجر الأساس لذلك، وهكذا نجد المسألة في نطاق ضيق يحتاج إلى رد من العلمي حول التطابق الفاضح في اتجاهات مقاله مع مقال القحطاني، لأن ترك الأمر للأخذ والرد ليس في صالحه ولا في صالح الطروحات الفكرية عامة.