نحن مسلمون ولتكن مقاييسنا نابعة من ديننا وسيرة نبينا وخلفائه الراشدين في العمل والتعامل مع المسؤول حين توليه الشأن الذي كُلف به، كي لا تكون المسؤولية بابا للتكسب على حساب الآخرين، فمبدأ "من أين لك هذا؟" انتهجه النبي العظيم عليه أفضل الصلاة والتسليم، بسؤاله لأحد عماله على الزكاة "من أين لك هذا؟" وسار على نهجه الخلفاء الراشدون بالمبدأ نفسه وبالمحاسبة والاقتصاص ممن يخالفه.
لدينا أهم مبادئ النزاهة والتقويم لمن يتولون الأمر في كل شأن، والمحاسبة حاضرة ولا ضير منها ما دام أنها في صالح البلاد والعباد.
"من أين لك هذا؟" الأساس الذي تبنى عليه النزاهة الحقيقية في زمن باتت أخبارنا مليئة بالأموال المسترجعة من السارقين والأراضي المليونية المستعادة ممن اؤتمنوا على حفظها وكتابتها وتخطيطها.
أسست بلادنا هيئة لمكافحة الفساد بعد أن بلغ الأخير شأنا لم نستطع احتماله، ولكننا لم نؤسس للنظام الذي يفضي إلى عدم الفساد أو التقليل منه، لم نؤسس للمحاسبة المبكرة تلك التي كان جديرا بأن تسبق تأسيس هيئة مكافحة الفساد!، تكون المنطلق الأول لتأسيس النزاهة، فمن دون النظام والمراقبة المبكرين تحضر النفس المتعطشة للجاه والمال، ومع "من أين لك هذا؟" لمن يؤتمن على شأن معين، بأن يفصح عن أمواله وممتلكاته هو وأقرباؤه الأقربين ومصدرها قبل أن يبدأ العمل، كفيل بأن يمنع الرشوة وتمرير الصفقات الوهمية.
وفق هذا المبدأ العظيم سيجبر كثيرون على الصدق مع النظام حتى لو كانوا لمبادئه كارهين، وكي نمسح زمنا اعيتنا فيه الشبوك والأراضي المسروقة والصفقات المشبوهة، والفساد الذي ضرب بأطنابه جهات كثيرة، حتى تكشّف عمن كنّا نخدع بتمسكهم ومثاليتهم. عيني عينك يتطاولون بالبنيان ويملكون أغلاها وأثمن الممتلكات وأعلى الأرصدة.
كشف الفساد بعضهم ومازال آخرون مستترون، ومازلنا نقرأ بين الفينة والأخرى عن التحقيق مع بعض متنفذين ورجال أعمال ممن أعماهم الطمع، ولعل ما آلمنا أكثر أن الأيام تكشف تباعا عن بعض المؤتمنين على حقوق الناس من كتّاب عدل ورؤساء بلديات وغيرهم ممن يتصدرون مشهد الفساد، وكأن مقولة إن "المال السائب يعلم السرقة" حاضرة بقوة، ما دام أن لا سؤال ينتظرهم عما ضخم أرصدتهم وزاد من عقاراتهم، لتأخذهم سكرة هذا المال لينسوا ويتناسوا أن الله عليم خبير.
هنا نحن لا نطالب بتحجيم هيئة مكافحة الفساد بقدر ما ندعو أن نؤسس لأرضية تنطلق منها هذه الهيئة لحماية هذا البلد من مفسديها لأن "من أين لك هذا؟" أساس العمل وعنوانه كي نتجنب بعض ماضينا المتضخم بالفساد، من جراء أننا أهملنا الهدي النبوي الذي هو أساس لتولي مسؤولية أي عمل للمسلمين، وهو أجدى من أن تتولى هيئة مكافحة الفساد الشأن بعد أن "يطيح الفأس بالرأس" إنه المؤشر الأولي لضمان حماية المال العام، وتعزيز حصانته، بل إنه يحمي الموظف ويدفعه إلى النزاهة في عمله، وهو الشأن الأول والدليل الثابت على من تنامت ثرواتهم بطرق غير مشروعة من جهة، وبما يجعل إيقافهم واسترداد ما نهبوه أيسر وأسهل!.