نعيش في المملكة تباشير الربيع. لكننا بالمقابل نعيش في نفس اللحظة ما يزهو به ربيعنا العربي الذي أمطر علينا خلال الأسابيع الماضية الأخبار السعيدة التي تمثلت في مسودة اتفاق الرياض وما تلاه من عودة سفراء المملكة والإمارات والبحرين إلى قطر وعودة اللحمة بين دول المجلس، وهي التي لم تنفصل لكنها مرت بحالة من تعكر المزاج الوقتي الذي عاد مرة أخرى للتحسن بعد جهود مباركة من خادم الحرمين الشريفين، يحفظه الله، ومساعيه الخيرة في الحيلولة دون تفكك هذه الوحدة الخليجية، التي ستظل تحت خيمة التعاون وتتطـلع إلى الارتقاء نحو الاتحاد، وهـذا في الواقـع هو هاجـس شـعوب المنطـقة ومطلبهم الأزلي، خاصة أن ما يجمع شعوب هذه المنطقة من مشتركات متعددة يدفع في هذا الاتجاه.
ومن هنا، فقد جاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين للانتقال بهذا المجلس من صيغة التعاون إلى الاتحاد، خاصة أن الظروف العصيبة والعواصف التي تهب على المنطقة من كل مكان، والاستهدافات الواضحة من بعض دول الجوار تجعل من الاتحاد هدفا مستحقا وواجـبا تـبرره حزمة المخاطر المحيطة بدول المجلس، والقرائن الأخيرة تشير إلى قرب تحقق هذا الهدف في القمم القريبة القادمة.
على أن الذي أكسب التحركات الخليجية ثم عودة المياه إلى مجاريها قيمة أكبر وفرحا أكثر؛ هو التضامن العريض مع الشقيقة الكبرى مصر.
ففي هذا الاتجاه تتسع قاعدة التفاؤل بهذا الحلف الذي يردع الأطماع الواضحة للجوار الفارسي ويحول دون عزل بعض العرب عن بعضهم الآخر من خلال الاستقطابات الأحادية، التي تهدف إلى التسيد بعد تفريق الأشقاء وبث الخلافات بينهم.
جاء خبر استقبال الرئيس المصري لمبعوثي خـادم الحرمـين الشريفين وأمـير قطر ليمثل البشارة الكبرى لتذويب كل الخلافات وسوء الفهم المتبادل بين الشقيقتين مصر وقطر.
هناك توقعات خلال الأيام القريبة القادمة عن عقد قمة أخوية بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وذلك برعاية وتحفيز واهتمام منقطع النظير من قائد الحكمة وزعيم الحنكة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وهو الذي يسعى وما يزال بكل جهده ووجاهته ودعمه المعنوي والمادي لإعادة التضامن العربي، من خلال كل التحركات الدبلوماسية السعودية الملموسة خلال العام الماضي في العراق ومصر والخليج، منذ أن حدثت التحولات في العالم العربي، وانطلقت شرارتها من تونس ثم تمادت وعمت بتغييراتها ليبيا وسورية واليمن وغيرها، فقد عرفت هذه التحولات في حينها بالربيع العربي، لكن اتضح لاحقا أن ما حدث حقيقة ليس إلا خريفا عربيا، خاصة وقد دخلت كثير من الدول في حروب أهليه ما تزال ماثلة حتى الآن.
الذي يبعث على الأمل هو التحركات الدبلوماسية السعودية التي قادها خادم الحرمين الشريفين وما نتج عنها من مصالحات وتوافق للرؤى وتوحد في الأهداف على نحو جعلنا نتلمس حقيقة ربيع عربي جديد، نأمل أن يعم المنطقة بمجملها وأن تظهر آثاره وتورق أزاهيره خلال الأيام القادمة.