لم أكن راغبا في الخوض في إشكالية الخلاف بين الدكتور أحمد الغامدي ومعارضيه على الأفكار والأطروحات التي يتمسك بها، ولست بصدد استعراضها وإبداء الرأي تجاهها لأني أؤمن أن هناك من هم قادرون علما وتفصيلا على التحاور في هذا الشأن، وبما هو أفضل بكثير مما لدي.

لكن ما لفت نظري أكثر أن الموضوع أخذ أبعادا فكرية واسعة، حتى بدا الأمر وكأن ما قام به الغامدي من طرف مؤيديه فتحا جديدا للرأي والخروج من عباءة التزمت والانقياد للرأي الواحد، وفيما يخص معارضيه فإن مثل ذلك سبيل في بث فوضى الفتوى والخروج عن رأي الجماعة، ولا بد من وضع حد قاصم لتصرفات الدكتور.

في مثل هذه المواضيع الجدلية التي تأخذ حيزا كبيرا من لدن الرأي العام السعودي تكتشف أن كثيرين أرادوا منها تكسبا، وفي كلا الاتجاهين مؤيدون ومناوئون، ولكن ما لفت نظري أكثر أن هناك من خرج عن أدبيات الاختلاف بوصف الدكتور الغامدي بلفظ قاس خلال إحدى الحوارات التلفزيونية، بل إنه تجاوز إلى التشكيك بعلمه وشهاداته العلمية، ورغم أني لست في محل العالم بأمر الشهادات، إلا أن هناك من ظهر من يثبت عكس هذا الحديث، ولكن تشمئز نفسك حين تجد من كانوا قادة للرأي والفكر خلال حقب سابقة قد تخلوا عن أدبيات الاختلاف، وليسمحوا لنا أن انفعالهم الشديد قد يفتح كل الأبواب المغلقة عليهم، وبما جعلهم عرضة للاستقصاد والبحث عن المثالب.

ما يحزن أكثر أن قادة الرأي أولئك قد مهدوا الطريق للرعاع كي يقذفوا في الأعراض ويشككوا في الذمم، ليكون الاختلاف فيما بينهم في موضوع يقبل الرد عليه بالحجة والبرهان وليس وفق مبدأ "أكون أو لا أكون"، وكأننا أيضا تناسينا المقولة الشهيرة لأحد الأئمة الكبار مالك بن أنس: "كل يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر"، ويشير إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

في الشأن نفسه فلم يكن من هبوا للوقوف مع الغامدي بأقل من مناوئيه لأن الفجور حضر أيضا إلى درجة أن بعضهم وجد في الغامدي الفرصة للإسقاط والتهكم، بل وفتح ملفات جديدة لم يكن مناسبا حضورها.. فقد كان هناك فجور في الخصومة بين المؤيدين والمناوئين حتى بلغ من البعض وقد كنّا نحسبه رشيدا أن استعدى السلطة على المعني، وآخر استعدى المجتمع على بعض التشريعات والمسلمات الدينية.

في الختام فإن ما فهمناه أكثر أن الأمر ارتبط بالبحث عن انتصارات شخصية، وكل أراد أن يكون هو البطل، لكن كان حريا ألا تحمل اختلافاتنا الأوصاف المخلة، وأحسب أن التطرف المبالغ به حضر من كلا الاتجاهين في سبيل البحث عن بطولة وشهرة على حساب الحقيقة والمعلومة.