يشتكي البعض من تساقط الأصدقاء وسرعة ابتعادهم، والعجيب أنهم يلقون باللوم على هؤلاء الأصدقاء فقط، فهم من لا يقدر العشرة، وهم سبب انقطاع العلاقة وفتورها، بينما قد يكون هو نفسه السبب الرئيس لهذا الانقطاع وتلك الجفوة!

فالصداقة -أيها الأعزاء- علاقة تبادلية متواصلة، تقوم على مبدأ تقبّل الطرف الآخر والاستمتاع برفقته، واحترام أفكاره وقراراته، وفهم اتجاهاته وتفضلاته، ومساعدته عند الحاجة، لكن قمة الانتهازية والأنانية تظهر عندما نتوقع من أصدقائنا كل ما سبق، بينما نحن لا نحقق أي شيء من تلكم التوقعات تجاههم، فهم من يجب أن يستمع لنا دون توقف، وهم من يجب عليه إبداء روح التعاطف، وربما تقديم شيء من الدعم والمساندة! هكذا دون أن نفكر للحظة واحد بلعب الدور نفسه تجاهم! ولو لمرة واحدة، فلا غرو أن وجدنا أنفسنا هكذا دون أصدقاء.

ولك أن تتصور أننا بهذا النهج الأناني نسرّع من عملية فقد الأصدقاء على الرغم من قلتهم أصلاً، فالحقيقة الدامغة أن الفرد لا يستطيع سوى المحافظة على صديقين مقربين أو ثلاثة فقط، بينما قد يصل عدد أصدقائه العموم إلى مئة وخمسين كحد أقصى! الإشكالية هنا أن وسائل الاتصال الاجتماعي أضحت تعطي دلالة غير صحيحة عن مؤشر صداقاتك! فليس كل من نقر "بإعجاب" أو "روتت" لك تغريدة أصبح صديقاً مقرباً منك، فأغلب هؤلاء يبقون أصدقاء افتراضيين إلا من استطعت جذبه لعالمك الحقيقي.

نحن بحاجة ماسة لصداقة حقيقية، صداقة كالمرآة، لأن ذلك الصديق هو من سوف يصدقك القول والفعل، فإن غاب ذلك الصديق فاعلم أنك لن تستطيع التعرّف على نفسك وعلى مواطن ضعفك لوحدك، وتذكر دوماً أنه لا يوجد إنسان واحد قادر على العيش وحده.. مهما كانت قوة شخصيته أو عبقرية عقله. ولكن تذكر -أيضاَ- أنه لا يمكن توثيق عرى صداقة ما من طرف واحد.