النفاق آفة مقيتة، يتخذه بعض الناس مطية لممارسة نشاطاته المشينة، الناتجة عن مرض داخلي كامن في النفس، تؤججه طبيعة سيئة، وتركيبة جينية تحمل صفة يشمئز منها صاحب الفطرة السوية، والعقل الراجح المتزن، وحين تسبر أغوار المنافق تجد دافعه للنفاق حسدا أو غيرة أو أنه لا يتحمل رؤية من هو أفضل منه، أو أنه يعاني من اضطراب نفسي وعقدة نقص تلازمه أينما حل، فتجده يوجه سهام حقده وكرهه ليقلل من شأن من يستهدفه، أو ليشوه سمعته عند من حوله.

المشكلة أن هناك من يستمع ويتأثر لقول المنافقين؛ لجهل أو لسذاجة غريبة، وهذا يعود إلى الأسلوب الساحر الذي يتقنه المنافق، حيث يظهر بوجه بريء، يوحي للضحية بأنه ناصح أمين، أو أنه يريد إظهار الحقائق، ومن يراقبه بعين محايدة يكتشف كيف يراوغ، وكيف يستغل مواقف الأشخاص، وكلامهم ويبحث فيه عن خيوط يستخدمها في مهامه، ومشواره الممتد مع عادته المتمثلة في تفرقة الأهل والأصحاب، وخلق الضغائن بينهم، فحينما يرى -مثلا- اثنين منسجمين ومتحابين فيما بينهما، يسعى سعياً حثيثاً إلى الدخول بينهما، ويحاول جاهداً وضع حواجزه بينهما، وقد يستميل أحدهما ويوهمه أنه يود صداقته ليس حباً، بل ليبعده عن صديقه، والحق أن الفطن لا تنطلي عليه ألاعيب مثل هذا الذي رهن نفسه وعقله لمهنة فتنة الناس؛ فمن خلال حديثه وتصرفاته تبدو نواياه.

وأحسب أن النفاق متفش بصورة أوسع وأعمق في مجالس النساء، بينما يقل بحكم قلة من يستقبله ويتأثر فيه في الأوساط الرجالية، فالرجال لديهم اهتمامات وقضايا متنوعة يتداولونها فيما بينهم، غير أن النساء أكثر تفرغاً وميلاً للأحاديث التي تتمحور حول الإشاعات، وقيل وقال، التي في خضمها تجد المنافقة ضالتها، وكثير من العوائل حصل بينهن شقاق وفرقة بسبب امرأة لا تخاف الله فيما تقول، وثمة معضلات زوجية خلفها نساء لا يروق لهن رؤية الأزواج سعداء، وما يؤسف له أن أثر أحاديث النساء بدأ يشمل بعض الرجال، رغم أنهم يقولون لا يهمنا كلام المنافقين والمنافقات.

أيها الناس احذروا زخرف القول الذي يجيده أهل النفاق، وخذوا الأمر بحيادية حتى من الأصدقاء والأقارب، وتأملوا تكرار مفردة النفاق مرات ومرات في كتاب الله الحكيم.