عندما يحدد مجتمع أولوياته الأهم يسير بخطى واثقة للنجاح ويسيّر ركب الحياة فيه.
لو كنت يابانيا ستفخر بكونك من شعب خرج أقوى بعد تجربة مريرة مع قنبلتين نوويتين منطلقا بسرعة الضوء لعالم التصنيع والإبداع. فيحق لك أن ترفع رأسك فأنت ياباني!
ولو كنت من كوريا فأنت لا تملك المسلسلات التي تجذب بني يعرب فقط، بل تملك تقنية اللون والضوء والصوت والحركة؛ تملك منتجات تتحول من الثانوية للصدارة وتثبت عن جدارة مكانك حتى مع من يرفع عليك دعاوى ليتصالح معك ويسعى لكسب ودك ومنتجاتك المنافسة كما فعلت "أبل" مع شركاتك فاصرخ بثقة أن العالمية عليك ليست صعبة ولكنها قوية!
لو كنت أميركيا فأنت مالك الأرض كأنها لعبة الشطرنج تحدد أطراف اللعبة وتعلن بدايتها ونهايتها وتتقاضى أجرة من اللاعبين وتعلن متى يموت الجندي على أرضه وتحافظ على من تشاء بكلمة فيتو وتطرد من تشاء بكلمة تحالف.. ترفع النفط وتخفضه وتصنع الأعداء فتقعدهم أو تدعشنهم أو ترهبهم وتطلقهم لتحاربهم فيحق لك أن تقول الله لا يغير علينا!
لو كنت هنديا فأنت تكتسح بحضورك دول الخليج ولا تملك صناعة سينمائية ضخمة تفوقت باء "بوليوود" فيها على هاء "هوليوود" عدة وعتادا فحسب؛ بل قد تكون أنت الهندي المسلم الذي صمم "الهوت ميل" أو الهندي الذي صنع القنبلة النووية أو الهندي الذي يبذر الأرض بحبات الأرز التي يعاني العرب لو رفعتها عليهم أو لو أصابك طوفان ذهب بمحصولك الذي يخزنونه للحرب وينثرونه في النفايات بسخاء في السلم! لك أن تقول "نحمد الله جت على ما نتمنى"!
لو كنت من الباكستان أو السند فأنت ند شرس لجارتك الهند تسيطر مثلها على أعمال تجارية وتعيش في مجموعات متكاتفة تجيد الدفاع عن نفسها في الخليج وصنعت قنبلة مماثلة لما عند الهند فافخر ما يأكله العالم من أرز تحكم مدينة بيشاور إنتاجه وحضورك السياسي والاجتماعي طاغ ونجحت كجارتك في تطبيق الديموقراطية التي ما زال العرب غير مستعدين ويكفيهم أن تسخر منهم بقولك "فكر ما في معلوم"!
لو كنت أوروبيا فما زلت تملك التاريخ والحضارة التي يبكي عليها العرب بعد أن أضاعوها ولم يقدروا حتى على النسيان. افخر بأنك تملك الحسب والنسب التاريخي وتمتلك الفخر بعصر الصناعة الذي غير حياة العالم وسياراتك هي الأجمل والأثمن وما زالت لغاتك تحمل سحرها الأدبي الأقوى، كما أن فلسفتك وأنوارك تنقلت في مدنك الغائمة بالثقافة أكنت ابن باريس أو ابن لندن أو ألمانيا لك فلسفتك أو من بلد يدر حليب أبقاره على العالم فدع شاعر العرب يردد هذا البيت كل صيف:
بِنَفسيَ تِلكَ الأَرضُ ما أَطيَبَ الرُبا
وَما أَحسَنَ المُصطاف والمُتَرَبَّعا!
ولو كنت أستراليا تسكن جنوب الكرة الأرضية فأنت لم تقف عند أن بلدك قارة حقيقية لتعجز عن تنميتها ولم تلوث البيئة الجميلة التي تعيش فيها أو تهدر مواردها بل أنت أنقى الأماكن على سطح الأرض وبلد فتح للعلم أبوابه بلا زيف ولن يفجعك صباح مساء أن من يمثلك في مجال أو آخر من قوم يسمونهم بعض العرب ببني "هلكوني"! فافخر أنك حقيقي جدا!
لو كنت صينيا فأنت تسيطر على معظم الصناعات على سطح الأرض من صناعات العالم وتقترب من المئة بالمئة إلا قليلا، أقنعت الغرب أن يصنع منتجاته عندك وأغرقت الأسواق بمنتجاتك الممتازة ومنحت بعض تجار البلدان الأسوأ لتتضخم أرصدتهم من مال رديء، افخر فأنت ملاذ لكل ما يحتاجه الإنسان في كل ثانية من حياته وجعلته يطلب كل الحياة لا العلم في الصين!
أما لو كنت من دولة يعربية فأنت حين تبحث عن أهم أخبارك تجد لافتة كتب عليها "حمر مواضينا" وستجد نفسك إما مقاتلا أو مقتولا أو حاملا ما تبقى من كلمات مزقتها قسوة الأيام تنافرت وتباعدت عن ذاتها فلم تعد منها إلا بقية حرية وأشباح عدالة وجماجم أحلام بائسة عبرت واقتت بها مع بسطاء اختلطت بدمائهم فلك أن تفخر لأنك تتصدر كل الأخبار العاجلة لأنك حالة طارئة على خارطة وطن شقي بك وشقيت به! فردد أحلامك من الشام لبغدان!
أما لو كنت عربيا تؤمن بشدة أن لك خصوصية ليست لبقية من خلق الله فشغلك الشاغل امرأة، وستعبر عن خصوصيتك بطريقتين الأولى سافرة متسامحة مع من تقابله في السفر امرأة أو رجلا، والثانية مختلفة تماما في الحضر فترفع عقيرتك كلما خطرت ببالك امرأة أو مرت بمخاوفك خيالاتها؛ وسيكون لك الحق أن تنزع الولاية عن وليها لأنك لا ترضى لها ما ترضاه لأختك!
يا صاحب الخصوصية لا تغض طرفك عن كل فساد يحيط بك وتبقي نظرك معلقا بكل امرأة.. من فضلكم خلوها!