احتفى العالم أمس باللغة العربية في يومها العالمي بعدما أقره المجلس التنفيذي لمنظمة اليونيسكو في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام. شعرنا بالمناسبة وأعددنا العدة لتظهر في أبهى صورها، نظمنا الندوات، وأقمنا الأصبوحات والأماسي الشعرية والنثرية، ألقينا قصائد حافظ إبراهيم وشوقي، دوّنا مذكرات ورسمنا قلوبا عاشقة للغة، وقف طلابنا وطالباتنا على مسارح المدارس منشدين وممثلين معبرين ومعبرات عن جمال اللغة ورونقها وسعة ألفاظها وانسياب تراكيبها، وتماسك نظامها كل ذلك حدث، حدث بصدق وحبّ وتفاعل وعطاء، ثم ماذا؟ ها نحن نعود إلى حراكنا اليومي فماذا نحن فاعلون بعد أن انفض السامر كما يقال؟ هل اعتزازنا وانتماؤنا لهذه اللغة الكريمة مرتهنان إلى يوم معلوم أم أنه منهج تفكير وسبيل إبداع ومناط تأثير كما ينبغي ويتوجب؟ نجيب على ذلك كله بمقدار ما انطبع في نفوسنا وفي نفوس أبنائنا وبناتنا من صدق وجزم بمكانة لغتنا وما سيصدقه ذلك من عمل والتزام وتقيّد وتوظيف، هل سأكون مبالغا إذا قلت إني لم أر نفورا من اللغة بين الطلاب فهم يحبونها ويجيدونها ويتفيؤون ظلالها لحظة التعبير لفظا أو كتابة، لكني وجدت ضد ذلك من بعض المعلمين هداهم الله، فمن خائف إلى خجول ناهيك عن أولئك الساخرين الذين يلقون بالحجارة في طريق الركب معتقدين أن اللغة العربية لا تفي بمتطلبات المرحلة، وأن العلوم قد تجاوزتها على صعيد المصطلح العلمي وأبعاده التطبيقية، ومنهم من يرى في التزامه بالحديث بلغة فصيحة منضبطة تقعرا ولزوما لما لا يلزم، وفي ذلك – لعمري- ظلم بيّن لسيدة اللغات وآية الإبداع ووهج الحضارات.
ولكم سعدنا أن تبنت مدارسنا استراتيجية التحدث بالفصحى في بيئات التعلم امتثالا للتعميم الوزاري القاضي بأن تكون العربية الفصيحة لغة الخطاب والتخاطب بين المعلمين وطلابهم بل وجميع منسوبي المدرسة، وأن يتمثل ذلك في الأنشطة والمسابقات وجميع التفاعلات اللفظية والمكتوبة دونما خجل أو تقهقر أو تلعثم، فبالمحاكاة أولا ثم بالدرس والتمحيص ومتابعة الأثر يصل المشروع إلى غايته ويحقق هدفه الأسمى، فلنكن أوفياء مع لغة القرآن العظيم، ولننشئ عليها ألسنة أولادنا فلا يسمعون منا إلا ما يرقي حصيلتهم اللغوية من جميل المفردات ولامع المعاني، وإن على إعلامنا أن يواكب المسيرة المباركة فلا يتوانى في إبراز الظواهر اللغوية، ودعم المواهب الفاعلة، فإن ذلك لمما يرقي الفكر ويجلي الشعور، وبـ"العربية" نكون.