وقع الموسيقى الصرفة على النفس عبارة عن عملية تحول مثيرة في كيمياء الروح والجسد، فالإيقاع الموسيقي يخاطب الوجدان ويفتح أفقا واسعا وخصبا للثراء السمعي الذي يتناغم مع الذائقة ويمنحها رؤية جديدة في أي موضوع كان، فتتنوع اتجاهاتنا حين تسرقنا الموسيقى للحظات من الشرود الذهني والصفاء العقلي إلى حيث تقودنا خطوات النغم في ذلك العالم الذي ندخله مع أول إيقاع نسمعه.
يمكن للحن موسيقى أن يمنحنا طاقة مذهلة تخترق صمت القلوب ووحشتها ذات إحباط أو اكتئاب.. كثيرون يعزفون سيمفونية الفرح في وسط الأسى والألم، فالحياة ليست كلها سرورا وابتهاجا، ولكن هناك آلاما تكسر بالفعل حاجز الصمت لا يمكن التعامل معها بغير موسيقى تصادر الحق في الشعور الطبيعي بالألم، إنها حالة تماهٍ مع الذات تعتقل كل المعاناة وتضعها في ركن قصي من النفس المعذبة أو حتى تلك التي تقفز على أوجاعها، فهناك من يطربون ويرقصون ويغنون على ركام الحياة والموت يحلق في سماواتهم، والرصاص يطير كفراشات تحلق فوقهم وهم لا يبالون، هذه هي الحياة التي يغتالها الاستسلام للألم ويفتح أزهارها وقع جرس موسيقي راق ورائق.
أمام الموسيقى أقف احتراما وأرفع قبعتي عند كل عزف أوتار تنساب هوينا في أذاني، تماما كما ظلت تجذبني وتستهويني لغة الموسيقى التي يتحدث بها الموسيقار المصري الشهير عمر خيرت، فالموسيقى التي يمنحها لنا لا بد وأن تغوص عميقا في الوجدان وتفتح أزهار القلوب بعد أن ترويها بعطر اللحن الجميل والفكرة المذهلة التي تأسر المستمع.
عمر خيرت حالة فنية وموسيقية خاصة، فهو لافت للانتباه وشارد بالحس حين ينطلق بنصوصه الموسيقية، فتجربته جديرة بأن تبقى ضمن الروائع الموسيقية العربية التي تضيف إلى الذائقة أبعادا تولد أبعادا وتنقلنا إلى شفافية ذاتية ملهمة، لأن الموسيقى جزء من حياتنا وجديرة بأن تتعامل مع أثقال الحياة وتخففها.