على الرغم من أن الشكل الظاهري للباس المرأة وحجابها يأتي من حريتها الذاتية التي لا تقتضي التدخل من الغير، إلا أن هذا السلوك بقي مربوطا بالضابط المتمثل في إشراف الرجل، الذي صور له الذهن الاجتماعي أن رجولته لا تكتمل إلا في تحجيب نسائه بطريقة حفظ شديدة ومتناسبة مع المعايير الاجتماعية، بوصفها جزءا من القانون الرسمي المنظم للسلوك، وبرغم أن المنطق السليم لا يفرض على المرأة أن تأخذ برأي غيرها ليعلمها أو يسمح لها كيف يمكن أن تظهر، إلا أن الرجل الذي يتساهل في السماح للنساء بكشف وجوههن سواء على المستوى الشخصي أو إبداء الرأي بين العامة، يواجه بالهجوم وحفلات من الشتم ويحاسب كمسؤول عن تصرفات النساء حسب تقدير الروابط في العلاقات الاجتماعية، وهذا وفق الصلاحيات الممنوحة إليه تلقائيا كرجل.

وينسحب هذا على ما أثاره موضوع الدكتور أحمد الغامدي في ظهور إعلامي له مع زوجته كاشفة الوجه، على أن هذا التصرف إقرار صريح منه إلى أن احترام الرجل لقريبته وتقديمها على أي مستوى للمجتمع والافتخار بها يعد جزءا من تقدير الذات، فقد قدمها كواجهة تعبير إيجابية عن نفسه، وبطريقة مغايرة تماما لما يسري عليه التقليد والعادة، وهذا يعني أننا نصل إلى مراحل متطورة يتجاوز فيها الرجل ظرفه النفسي والاجتماعي والكثير من الرواسب المختلطة بمفاهيم دينية وتقليدية انتهكت كرامة المرأة وعزلتها عن الحياة وعطلت دورها وعملها، وهذا يرتقي على الذهنية التي غيبت النساء خلف جدران الحريم المفروضة عليهن في أشكال من التخلف والدونية واللا إنسانية وبحجة الستر.

ما حدث يعود إلى مسائل شخصية ليس من الحق الخوض فيها، ولكن بشكل عام، وعلى قدر ما كانت مفاجأة، إلا أنها صدمة اجتماعية حقيقية أثارت الجدل على خطوط عريضة ذات أبعاد دينية وثقافية واجتماعية، وقد لاحظنا ظهور الفئة ذات الممارسات الاحترافية الذين يرون أن لهم الحق المطلق في التدخل في شؤون غيرهم، وتباينت الآراء بين معجب ومؤيد ومستنكر، وعلى النحو الإيجابي تفاعل مع الحدث الكثير من العقلاء والنابهين والمعتدلين في رأيهم الديني على مستويات عدة، سيجد فيها العاقل مبررا منطقيا لتقبل ذلك إن أراد ولو لم يعمل به.

حين يدرك الرجل أن قيمة رجولته ليست في إقصاء النساء والحجر عليهن، سيولد مجتمعنا الذي نصبو إليه بشدة، بوعي جديد وبإنسانية حقيقية.