يظل برنامج الابتعاث أحد أهم البرامج الاستراتيجية لبناء الدولة وصياغة المستقبل بعقل علمي يستوعب قدرات أبناء الوطن ويطورها ويؤهلها للاستحقاقات في القطاعات التنموية المختلفة. وكما ذكرت سابقا فإن نجاح تجارب شعوب أخرى في ابتعاث أبنائها يعزز المضي بهذا البرنامج ليحقق أهدافه كاملة غير منقوصة، مما يعني وضع وزارة التعليم العالي في محك مستمر يجعل البرنامج ميزانا لنجاح سياساتها وخططها العلمية التي تقدم لوطننا مخرجات أكثر قدرة وتكيفا مع مقتضيات النهضة والنمو والتطور.

وفي الواقع نجحت الوزارة في عهد الدكتور خالد العنقري في الاحتفاظ بمسار ناجح لبرنامج الابتعاث من خلال الالتزام برؤيته التي ترتكز على التخصصات التي تحتاجها المملكة والمقدمة في الجامعات الرائدة عالميا، ومضت به في طريق تحقيق أهدافه بتركيز تام ودعم كامل، لأن الفكرة أن هذا البرنامج صمام أمان للمستقبل، ومن الخير والمناسب ألا يتراجع أو يهتز مطلقا، فهو يمثل رؤية القيادة والدولة للتعامل مع وقائع تنمية مستدامة وشاملة لا تتحقق دون بنية تحتية بشرية تعتني بالموارد البشرية وتضعها في الطريق الذي يتناغم مع الطموحات والتطلعات.

وزارة التعليم العالي في عهد الوزير الشاب الدكتور خالد السبتي، تدخل مرحلة جديدة تضيف إلى تجربة سلفه، ونتوقع أن يكون خير خلف لخير سلف، وهي وزارة في تقديري محظوظة بالكفاءات، ونحن محظوظون بقيادتها، لأن ذلك يجعلنا أكثر اطمئنانا لمنجزاتها ومخرجاتها وعنايتها بالأهداف الكلية للتعليم العالي المعني بالتطور والتطوير، فالدكتور السبتي لا تنقصه الخبرة والكفاءة، وله باع طويل في المسار التنفيذي الخاص بالتعليم والبحث العلمي، ففي رصيده ثراء واسع من التجربة الإدارية، حيث عمل نائبا لوزير التربية والتعليم بمرتبة وزير، وله تداخل عميق مع المواهب والمبدعين من خلال دوره القيادي في مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع، ومشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام.

وذلك غيض من فيض في مسيرته العملية والعلمية، مما يجعل الوزارة تتعامل مع الابتعاث وقضايا التعليم العالي برؤية متجددة، نثق معها في أنه جدير بتحقيق جميع الأهداف الطموحة في الحاضر والمستقبل، لأننا معنيون بصناعة المستقبل وتطوير قدرات الجامعيين، وكذلك الجامعات كمؤسسات للنهوض بالتعليم العالي، ولعلنا في هذا السياق بحاجة إلى التدقيق في الأبحاث العلمية التي لا تجد العناية الكافية سواء بإعدادها أو الإفادة منها، والبحث العلمي أصبح العنوان الأبرز للتطور والنهضة، وهناك حالة تنافسية كبيرة بين الشعوب والجامعات العالمية لتطوير أبحاثها والوصول بها إلى واقع يجعل تطبيقها عمليا بما يدعم أي مسار للتطور.

وللحقيقة فإن عمل الدكتور السبتي في مساري الابتعاث والبحث العلمي، وتطوير الأداء فيهما يعني دخول البلاد مرحلة تنموية وعلمية متقدمة، ولذلك نأمل أن يركز جهده فيهما لأن دور الوزارة في هذا السياق هو قيادة بلادنا نحو غاياتها وطموحاتها العملاقة، وحين ينجح في زيادة استيعاب الابتعاث والتحقق من حصولنا على كفاءات وطنية قوية، ويتطور البحث العلمي بحيث ينافس عالميا فإنه بذلك يحقق منجزات تتجاوز الشخصي والوزاري إلى الوطني الذي يقود وطننا إلى أعلى السلم العلمي، ويوفر لبلادنا مخزونا استراتيجيا علميا ضخما، خاصة أنه معني بالبحث العلمي وسبق له أن تشرف بتقليد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز له وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، لتميزه في تطوير الحركة العلمية وحركة البحث العلمي المميز.

وحين يكون الوزير بهذا الاستحقاق فإنه أمام فضاء تنفيذي واسع يجد فيه آلاف المبدعين والعلماء الصغار الذين يحتاجون حضانة التعليم العالي واستكشافهم وتحفيزهم لمزيد من الإبداع، وفي المرحلة الأولى له بالوزارة لا نطلب أكثر من العناية ببرنامج الابتعاث وتطوير البحث العلمي، فذلك أساس التعليم العالي، لأن الجامعات لديها خططها التلقائية للتطور والمنافسة ولن تشغله كثيرا، ولكنه من واقع جدارته وكفاءته وقربه من حركة البحث العلمي وقضايا الابتعاث يمكنه أن ينجز الكثير الذي نتوقعه من الوزارة في عهده.