في كاريكاتير لرسام مصري، تسأل المذيعة شخصا فقيرا في الشارع: "هل أنت مع انتشار المواقع الإباحية أم أنت ضدها"؟ الفقير يرد بلهجة مصرية: "أنا.. جعان"!
هذا هو الواقع الذي يغيب عن الكثيرين. ما يشغلك ليس بالضرورة أن يشغل غيرك. وما تعده قضية مهمة لا يُعد كذلك لدى غيرك. وإن كنت منشغلا بـ"أحمد الغامدي وزوجته" فغيرك مسكون بتأمين علبة دواء لطفله المريض، ورغيف خبز لأسرته الفقيرة!
نحن أمام ظاهرة عجيبة. في كل مسألة ينبغي أن يكون لنا رأي. في كل قضية لنا وجهة نظر. وأمام كل مشكلة لنا موقف. وليت هذه القضايا من المسلمات، أو من الثوابت، أو من القضايا الجوهرية التي تمس حياة الناس بشكل مباشر. هي قضايا هامشية، أو ثانوية، أو خلافية بحتة. تجاوزتها المجتمعات الأخرى منذ سنوات طويلة وانتقلت لما هو أهم.
جدل صاخب في كل وسيلة، عديم الجدوى والفائدة، يصرف الناس عن شؤون حياتهم الأساسية، تربة سامة لا تُثمر سوى مزيد من الشحناء والبغضاء. يقال "إذا أراد الله بقوم شرا ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل"!
لا أجد تفسيرا منطقيا لعشق هذا المجتمع للقضايا الجدلية الهامشية خلال السنوات الأخيرة. من الممكن أن يسهر الشعب حتى ساعات الصباح الأولى لنقاش قضية خلافية، وعند الصباح ينهض متثاقلا، ويقوم بحملها لمكان عمله لاستكمال النقاش حولها مع أطراف جدد. لتجد نفسك في كل مكان وسط ضجيج وصخب لا حد ولا حدود له!
لك في الختام أن تلتقط هذه الصورة الكوميدية السوداء: عاطل، يسكن في شقة مستأجرة، يعاني من مشاكل في التغذية، البرد ينخر عظامه، مكبل بالديون، وليس ثمة ضوء في آخر النفق، ومع ذلك تجده مشمرا عن ذراعيه في كل مكان يرتاده ـ حقيقيا أم افتراضيا ـ يجادل الناس في قضايا فارغة، غير ذات قيمة. لا يترك قضية جدلية دون أن يكون له رأي حاسم وقطعي فيها. ولو أنه سخّر جهده قليلا لخدمة قضاياه وحاجاته وحقوقه الأساسية لأسهم ـ ربما ـ في دفع المركبة قليلا.