رجال مدربون، على جاهزية تامة، وهبوا أنفسهم لوطنهم.. سعادتهم لا توصف، حينما يؤدون عملهم بمهنية واحترافية عالية، لا يعيرون المخاطر أي اهتمام، فبهم يسعد الوطن والمواطن، هم يحرسون حدوده ليل نهار غير عابئين بأي مخاطر قد يتعرضون لها من أجل الذود عن الوطن ومواطنيه.

"الوطن" كانت في رحلة إلى أغوار تهامة قحطان برفقة محافظ سراة عبيدة المهندس علي الفقيه، في جولته على مراكز "سريان"، "وادي الحيا" و"خشم عنقار"، وفي رحلة بدأت من ساعات الفجر الأول غادر الجميع مركز الفرشة في سيارات الدفع الرباعي، حيث لا يعير الناس هناك ولا زائرو المكان اهتماما للمسافة بالكيلومترات، والمقياس الوحيد هو الزمن، فمسافة مثل ما بين الفرشة ووادي سريان لا تزيد عن 47 كم، تستغرق 3 ساعات متواصلة بسرعة بطيئة، بين عقبات ترابية وسط قمم الجبال وبين أودية سحيقة تجرفها مياه السيول المنقولة، كلما عبرت تلك الأودية محملة بالحجارة والأشجار.

وعورة الطريق

انطلقنا في طريق العودة من وادي "سريان"، إلى مركز "وادي الحيا" عبر وادي "دفا" الذي يقع في غالب أجزائه بين منطقتي عسير وجازان، وكانت المفاجأة في مكان منعطف، حيث يضطر قائد السيارة إلى السير ببطء شديد، في تلك الأثناء سمعنا دوي الرصاص، وبتقدمنا قليلا إذا بسيارة لحرس الحدود، تساندها مجموعة من رجال الأمن يعملون في جهات عدة من قطاعات أمنية، يقبضون على مجموعة أفريقية يتحدث بعضهم العربية بطلاقة، تحدثت إلى رئيس اللجنة الذي طلب "عدم ذكر اسمه" وطلبت الانضمام إليهم، فرحب بالفكرة على أن تكون نهاية مشواري معهم وادي "الحيا" لألحق ببقية الركب من المحافظ وغيره.

غدير الماء

تحركت السيارات الأمنية تتقدمها مركبة مدنية، لتمشيط الطريق وإعطاء معلومات عن أعداد المجهولين وأماكن وجودهم سواء على ضفتي الوادي أو عبره أو من خلال الأكواخ المهجورة، تلقى الجميع معلومات عن مجموعة أفارقة بعد نحو كم، كان عددهم 6 أفراد بين مسن وشاب وطفل، هناك لن تتمكن سيارات الدفع الرباعي مهما كانت قدرتها على تسلق سفح الجبل، ولا مناص من محاولة القبض عليهم وسط الوادي، سيما والمنطقة مفتوحة عدا الجبل القريب وغدير ماء يليه جبل شاهق، وبينما نحن مهتمون بالتصوير، لاحظنا انطلاق بعض السيارات إلى الضفة اليمنى والأخرى إلى قرب الغدير، حيث لا يمكن المجازفة، فلا أحد يتنبأ بعمقه، خرج رجال الأمن وتمت المطاردة وقبض على 3 يميناً، وتمكن ثلاثة آخرون من عبور الغدير سباحة في أقصى يسار الوادي، تبعهم رجلا أمن وقطعا الماء سباحة وأحدهم يحمل بندقيته بيساره ويسبح بيمينه، تمكنا من القبض على اثنين، لكن متسللاً تمكن من تسلق الجبل بسرعة عالية، أُطلقت عليه رصاصات يمنة ويسره، لتخويفه لكنه لم يأبه بها وواصل الصعود حتى قمة الجبل في أقل من عشر دقائق.

مجهولون مسنون

أغرب الحالات التي رصدتها "الوطن" وجود مجهولين من كبار السن الذين يمشون ويتحركون بصعوبة مما جعلنا نتساءل ما الذي جاء بهم وكيف جاؤوا ولماذا فهم لا يستطيعون خدمة أنفسهم فكيف يخدمون سواهم، لكن تغليب مهنة التسول تطغى على فرضية أنهم جاؤوا ليعملوا، إضافة إلى أن بعضهم يعاني من أمراض جلدية ظاهرة مما يعني أن ذلك قد يسبب انتقال العدوى إلى الآخرين.

محمد علي "33 عاماً" سألناه عن أسباب دخوله إلى المملكة، فقال: البحث عن عمل هو الذي أتى بي إلى هنا، وعن سؤالنا له عن عدد مرات دخوله، قال: كثيرة جداً فأنا دخلت عن طريق التسلل مرات كثيرة تتجاوز الأربع، كل مرة أدخل فيها عن طريق القرى الحدودية، مع اليمن، وعن الأعمال التي يمارسها عندما يدخل إلى المملكة قال محمد: أعمل برعي الأغنام حيث أمكث، حتى يتم القبض علي، ومن ثم أعاود الركض مرة أخرى، فقد تم القبض علي عدة مرات من رجال الأمن السعوديين، ويتم ترحيلي وأعود فوراً بعد بضع ساعات أو أيام.

تحويلات مالية

يقول محمد علي إنه يعمل عند مواطنين وليس لديه أي انتماء حزبي أو سياسي، وهمه الأول إعالة أطفاله الخمسة وزوجته ووالديه، حيث يقبض شهريا نحو ألف ريال علاوة على الإكراميات التي يتلقاها من زوار الاستراحة وحظيرة الحيوانات التي يعمل بها في خميس مشيط، ويدفعها جميعها لمقيم من أبناء جلدته يحولها إلى أهله بمقابل 50 ريالا لكل ألف ريال سعودي، وأن المقيم يبلغه بوصول التحويلة التي تصل قيمتها إلى 5 آلاف بعملة بلاده، وأنه لم يتمكن من الاتصال بأهله منذ رمضان الماضي حيث غادرها بعد عيد الفطر، في رحلة استمرت أكثر من شهرين من ميناء في الصومال وصولاً إلى قرب "عتق" اليمنية، وأنه ينفق 1400 ريالا لهذه الرحلة، ولا يملك المال لإعطاء مهرب سعودي كي ينقله بالسيارة، لذا يضطر لاستطراق الأودية والجبال التي حفظها عن ظهر قلب "على حد قوله"، وصولا إلى الخميس، وأن رحلة البحر التي يغامرون خلالها في ركوب مراكب صغيرة، تضطره إلى العيش بأقل مؤونة، إلا قليلاً من الماء المعبأ في قناني، وأن البعض ممكن أن يدفع حياته ثمناً لهذه المغامرة خصوصاً إذا ارتفع موج البحر وازدادت الرياح سرعة.

المخاطر الأمنية

يشكل المجهولون مخاطر أمنية كبيرة للمدن والقرى الحدودية ومن تلك المخاطر القتل والسرقات، حيث يتحول المجهول ليلاً إلى وحش كاسر همه الوحيد كيف يحصل على المال ولا يهمه الطريقة، وقد نتج عن ذلك الكثير من حوادث القتل، وتنقل تقارير صحفية أن خطر هؤلاء المتسللين قد تعدى إلى أبعد من ذلك حيث انتشرت المخدرات بين أفراد الشباب وطلاب المدارس ويأتي المجهول في مقدمة سبب انتشارها ونقلها وتوزيعها، ويبدو أن وسائل الاتصالات الحديثة كالجوال قد ساهمت بشكل كبير وسريع في تفاقم هذه الظاهرة.

ويشكل موسم الإجازات فرصة سانحة وثمينة للمجهولين والمتسللين للقيام بسرقات المنازل خاصة بعد سفر أصحابها للتمتع بالإجازات وتتلقى الأجهزة العديد من البلاغات عن سرقات المنازل والسيارات، بل وصل الأمر أيضاً إلى سرقة دراجات الأطفال وتلعب بعض النساء من المجهولات دوراً كبيراً في هذا الجانب، حيث يقمن ببيع النباتات العطرية وطرق أبواب المنازل لهذا الغرض ظاهراً، ولكن يبدو أن هناك غرضاً آخر وهو معرفة البيوت التي سافر أصحابها ومعرفة المدن والمخارج تمهيداً لقدوم السارقين.

حراس الإنسانية

وأثناء سيرنا وسط وادي "دفا"، تم القبض على اثنين أحدهما "يمني"، قد أنهكه السفر، ويبدو عليه الإعياء، فما كان من مدير شرطة سراة عبيدة العميد أحمد سعيد الشهراني إلا أن أروى عطشه، وقام آخرون برش الماء عليه، وسألوه إن كان في حاجة إلى خدمة طبية، حيث أفاد أنه ليس بحاجة، وماهي إلا دقائق معدود حتى عادت له عافيته وطلب مزيداً من الماء والأكل فتم تزويده بها فوراً.. هنا تدخل رئيس اللجنة، موضحا أن مهمة رجال الأمن ليست عسكرية فقط بل عليهم واجبات ومهام إنسانية يؤدونها، وبين أن لديهم تعليمات من وزارة الداخلية بتقديم يد المساعدة وإسعاف الحالات المرضية الطارئة.

مهنية عالية

وفي المقابل أكد محافظ سراة عبيدة المهندس علي الفقيه في حديثه إلى "الوطن" أن اللجنة الأمنية المشتركة والتي تباشر مهامها منذ فترة طويلة في تهامة قحطان تزاول عملها باحترافية ومهنية عالية، ولا تغفل الجانب الإنساني في تعاملها مع المهربين والمتسللين، وأن أغلبية المقبوض عليهم هم ممن يبحث عن لقمة العيش لكن بطريقة غير مشروعة، وأن الوضع الأمني العام في تهامة قحطان مطمئن، ولم تسجل أي حوادث جنائية خلال عام سوى واحدة لمجهول قتل آخر، وأنه تم القبض على نحو 200 متسلل خلال ثلاثة الأشهر المنصرمة، لافتاً إلى أن من معوقات سرعة القبض على المجهولين هناك طبيعة المنطقة وتباين تضاريسها بين أودية سحيقة وجبال شاهقة، وتعاطف البعض من مواطنيها مع من يقوم بتشغيل تلك العمالة، حيث إن العرف القبلي المتداول هناك يمنع الإفصاح عما يدور في القرى، ومن العيب أن يبلغ عن رفيقه بأنه يؤوي أو يشغل مجهولاً.

وحول سؤال لـ"الوطن" عن تنامي ظاهرة تهريب المجهولين هناك بواسطة مواطنين أكد الفقيه أن التعليمات واضحة وصريحة وتطبق بحق كل من يتم القبض عليه سواء مواطن أو متسلل، ولم يخف "الفقيه" توجسه من العائدات المالية التي يحصل عليها المهربون السعوديون بقوله: يكسبون في يوم ما لا يكسبونه في شهر.