مرّ علينا مسرعا، لم يسعف حتى أصحاب الشأن من الاحتفاء به، وإن ذكروه بكلمة أو أخرى فإنها من باب أنهم يحملون نفس الاسم الذي يحمله، ولا بأس إن نسوه أو تجاهلوه لأنهم يثقون أن لا أحد سيسألهم عن ذلك!

اليوم العالمي لحقوق الإنسان ظهر في سماء العالم يوم الأربعاء الماضي العاشر من ديسمبر في عامه الستين، لكن كثير منّا لم يتعرف عليه، وليس معنى هذا أننا لا نحترمه ونجله ونقدره، ونؤمن بمبادئه ونسعى لتحقيقها، لكن كان حريا أن نكون أكثر احتفاء وفهما لهذه الحقوق، لأننا عرفناها جلية واضحة منذ 1400 عام حينما سلّمنا رسولنا العظيم محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم الوثيقة الحقيقية لحقوق الإنسان انطلاقا من الهدي الرباني: "يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم".

فالإسلام هو من دعا إلى القضاء على العبودية، والتفرقة العنصرية، والطبقية، والقهر والهوان، والإسلام هو من أعطى أصحاب الديانات الأخرى حقوقهم ولم ينكرهم ويطردهم بل عاشوا معه وتمتعوا بعدله، ولم ينكر عليهم دينهم ولم يدع إلى قتلهم وهم المسالمون: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".. "لكم دينكم ولي دين".. بل إن الإسلام كرم الإنسان دون تحديد هويته وديانته: "ولقد كرمنا بني آدم".

الإسلام فتح لكل الناس التمتع بالحقوق كاملة دون تمييز. قال صلى الله عليه وسلم: "لا فرق بين عربي أو أعجمي ولا أبيض أو أسود إلا بالتقوى"، وهو أول من انتصر للمحرومين والمظلومين وفتح لهم الآفاق برؤية أفضل ومستقبل أكثر إشراقا، وكفل لهم انطلاقا من آيات وأحاديث حقوقهم وواجباتهم اقتصاديا ومجتمعيا وفكريا، وجعل مع هذه الحقوق واجبات لا تفرق بين ملك وغفير، وغني وفقير.

ولعل من يتشدقون بأن الإسلام يبخس المرأة حقوقها فالدليل من القرآن والسنة وما كان عليه رسولنا العظيم يؤكد عدم صحة ذلك، بل إن الإسلام منحها ما لم تستطع نيله لدى المتقدمين الآن في أوروبا، إلا أننا لا ننكر أن بعض المسلمين قد اغتصبوا حقوقها قسرا وتحت مسميات نسبوها إلى الإسلام، ولعل ذلك يعود إلى الجهل والعادات، وجدير ألا ينسب الجهل إلى الإسلام، بل إن هذا الدين قد ساوى بين الرجل والمرأة في القيمة الإنسانية والواجبات الدينية، ولعلنا لا نتجاوز تأكيدات مفكرين مسلمين وغيرهم أن القرأن أول من أعلن المساواة بين الرجل والمرأة من خلال التوجيه الرباني منذ بدء الخليقة: "يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين". وهنا ساوى بينهما في المسكن والمأكل والأوامر.

نعم نعاني من نقص في الحقوق، لكن قبل كل شيء علينا أن نعترف أننا من صنع تلك النواقص وأطرناها تحت شعارات إسلامية، أساءت إلى الإسلام كثيرا، بل إنها ربطته في أذهان البعض -وبكل أسف- بالكره والرفض والاعتداء، والإسلام الحقيقي بريء منها لأنه منبر الحقوق والعدل.

فلنحتفل بـ"يوم حقوق الإنسان"، ولنحيي ونساند من يريدون في كل العالم أن يجعلوا من حقوق الإنسان حقيقة منجزة لكل فرد وبلد، لكننا كمسلمين كان جديرا أن نكون الأكثر استخداما وتعبيرا عن هذه الحقوق، لأن تعاليمها وتوجيهاتها الربانية ما زالت تعيش معنا في قرآننا وسيرة نبينا والتعاليم الحقيقية التي استقيناها من تراثنا وأهلنا.