سوف يدخل اليوم جميع الوزراء الجدد مجلس الوزراء السعودي للمرة الأولى - بعد تعيينهم بأمر ملكي الأسبوع الماضي- وسط دعوات صادقة لهم بالتوفيق، ووسط آمال عريضة بأن يحملوا بصمات الإصلاح والتطوير، خصوصاً في ظل شعور المواطن بتسارع المتغيرات وصعوبة مواكبتها من الناحية الحضارية والثقافية والمعرفية.
فبعض التجارب الوزارية السابقة جعلت المواطن يشعر بالإحباط، حيث لم تكن الأفعال والطاقات والإمكانات بحجم الوعود والآمال، رغم الموازنة العامة "الترليونية" للدولة على مدى أعوام، والتي حصلت منها بعض الوزارات على موازنات خاصة بها تكفي لتنفيذ خططها ومشاريعها لو تم التصرف فيها وفق منهج علمي وخطط مدروسة ومتسقة، وهذا ما جعل المواطن يتساءل عن سر المشاريع المتعثرة التي نراها اليوم رأي العين!
في هذه الصفحة من هذه الصحيفة قبل ما يقارب السنوات الست، كتبَ كاتب هذه السطور مقالاً مشابهاً لهذا المقال، وقد أتى بعض الوزراء ورحلوا عن وزاراتهم، وما زالت الطموحات نفسها لم تتغير.
وأجدني اليوم أعيد التفكير بتلك الأفكار مرة أخرى، وأضيف إليها ما استجد وما طرأ لأطرحها على ثلاثة وزراء: هم وزير الثقافة والإعلام، ووزير الصحة، ووزير التعليم العالي، حيث إن سقف الاحتياجات الوطنية على المستوى المجتمعي لا ينقص بل يزيد، وهذا أمر طبيعي يحتمه تطور أفراد المجتمع واتساع رؤيتهم وتطلعاتهم، في ظل وضع اقتصادي يفترض أن يكون هو الأفضل في العالم.
ولنبدأ بوزارة الثقافة والإعلام، حيث ستكون الرسالة الأولى صريحة ومباشرة إلى معالي وزير الثقافة والإعلام المعيّن الدكتور عبدالعزيز الخضيري، الذي يحمل رصيداً علمياً هائلا، حصّله من أهم الجامعات في العالم، وفي مقدمتها "هارفارد" بطبيعة الحال، كما يحمل خبرة إدارية كبيرة في العمل تجعلنا نتوسم فيه أن يكون قائداً قادراً على سياسة العمل الإعلامي والثقافي في بلادنا، من خلال فك نقاط المركزية في العمل الإعلامي والثقافي، وتوسيع الهامش الموجود حالياً ليتناسب مع حجم التغيرات المجتمعية المعرفية والثقافية، ليكون مجال تطور الثقافة من خلال بوابة تطور المجتمع، مما يستلزم مراجعة "الاستراتيجيات" الإعلامية والثقافية المعدّة سابقاً، وخاصة تلك التي لم يكن المثقف أو الإعلامي مشاركين في صياغتها كلٌ فيما يخصه، لا سيما في ظل الانفتاح الإعلامي والثقافي الكبير الذي صنع عالماً بلا قيود ولا حدود، تجسده اليوم وسائل الإعلام وتقنيات الاتصال، حيث إننا نحتاج "فعلاً" ثقافياً يكون مرتكزه الأول "الإنتاج" الثقافي الذي يمكن أن نقدمه للعالم بشكل مشرق يعكس حقيقة كوننا لسنا موجودين في العالم فقط، بل شركاء أساسيون في صناعة حضارته ونشر ثقافته.
الرسالة الثانية أوجهها إلى معالي وزير الصحة الأستاذ الدكتور محمد آل هيازع، الرجل الذي يعرفه كثيرون ويعروفون إنجازاته الأكاديمية والإدارية من خلال عمله سابقاً في جامعة الملك خالد بأبها، ثم مديراً للجامعة الفتية والنشطة جامعة جازان، إلا أن مهمته كوزير للصحة ستكون مختلفة وحساسة، وهذا أمر طبيعي، فما حصل خلال عقود وسنوات ماضية لم يكن تغييراً في الجوهر، وهذا ما لمسه فيما يبدو معالي وزير العمل وزير الصحة المكلف المهندس عادل فقيه خلال فترة تكليفه بوزارة الصحة، ولذلك أؤكد أن قضية عدم وجود "سرير" لمريض من أهم المعضلات التي ستواجه الوزير آل هيازع، مما يضاعف آمالنا فيه بأن يكون قادراً على فصل "أمراض" وزارة الصحة عن جسدها، فيعيد ترتيب الأوراق من جديد ليؤسس لخدمات صحية تليق بالمواطن السعودي، دون أن تضطره الظروف إلى مغادرة مدينته للبحث عن "سرير"، فتوصد الأبواب في وجهه فيموت!
أما الرسالة الثالثة فموجهة إلى معالي وزير التعليم الدكتور خالد السبتي الحاصل على الكثير من براءات الاختراع، والذي تشرف بالحصول على وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى عام 2004 بأمر خادم الحرمين الشريفين لتميزه في تطوير الحركة العلمية والبحث العلمي، مما جعله يتميز بخبرات علمية وإدارية وتقنية كبيرة.
وهذا ما يبعث الأمل في أن يستنهض التعليم العالي بمرحلة جديدة تعتمد على مجتمع المعرفة كأساس لهذه المرحلة، بعد أن قطعت وزارة التعليم العالي شوطاً مميزاً بقيادة الوزير السابق معالي الدكتور خالد العنقري الذي يستحق الشكر على ما بذل، حيث نأمل أن تنطلق المرحلة القادمة بقيادة الوزير الشاب الدكتور خالد السبتي، وأن تكون فعلاً مرحلة الشباب السعودي الطموح والكفء في الجامعات السعودية، وتفعيل الدور الثقافي لكثير من الملحقيات الثقافية السعودية حول العالم لتكون منبراً يشار فيه إلى وطننا بالعقول والأفكار قبل الأبصار والبنان.
وعلى ضوء هذه الرسائل المختصرة يمكن القول إن معالي الوزراء الجدد يدخلون مجلس الوزراء اليوم تتقدمهم ثقة خادم الحرمين الشريفين، مما يجعلهم أمام منعطف تاريخي وطني سوف يسجله لهم أبناء هذا الوطن، وسيذكرونهم فيه مثلما ذكروا الذين من قبلهم.