تعيين معالي الدكتور عبدالعزيز الخضيري وزيرا للثقافة والإعلام كان محل ترحيب كبير بين أوساط الأدباء والمثقفين والفاعلين في المشهد الإعلامي، لما يعرفونه عنه من استنارة وعمق في الفكر. الرجل ليس غريبا عن الفكر والثقافة والأدب والاهتمام بتثقيف المجتمع، فقد كنت أحد طلبة الجامعة الذين كان معاليه يشرفهم بتبادل الحديث معهم والنقاش والحوار في الفكر والأدب والفلسفة وما زلت أحتفظ بكتابين من إهداء معاليه، وكنا طلابا في الجامعة لكن هكذا هم الكبار دوما وكان هذا قبل عقد ونيف. بعد هذا التمهيد ينبغي، والحال هذه من المودة والمحبة والشفافية، ونحن هنا نتحدث عن عقلية منفتحة ووطنية رائعة معجونة بحب الوطن وأهله والنزعة للتغيير والتطوير، أن نكون صرحاء جدا.

ماذا نريد من معالي الوزير وماذا يريد منا؟ سؤال من الجميل أن يكون الحديث حوله هو أول ما نستقبل به وزيرنا المحبوب. نريد من معاليك ابتداء أن تنتصر للثقافة المظلومة من الإعلام، وأن تفيها حقها بما يليق بثقافة مجتمع سعودي عربي غني بكل ما هو حضاري من الفنون المختلفة. نريد من معاليك أن تسهم في تطوير التلفزيون والإذاعة التي لا تزال على حالها منذ سنين، والمشاهد السعودي والعربي ينصرف بكل صدق عن القنوات الرسمية لعلل كثيرة تحتاج مثلك إلى إصلاحها رغم احترامي لجهود كل الأحبة في هيئة الإذاعة والتلفزيون الذين يحاولون الجهد لكن يحتاجون إلى الدعم. نريد منك أيها الوزير أن تعمل على منح التراخيص لمؤسسات المجتمع المدني كرابطة الكتاب والأدباء السعوديين التي قدمها جمع من المثقفين لوزارة الإعلام منذ فترة، واحترام رغبة ما يقارب المئتين من الروائيين والشعراء وكتاب الرأي والصحفيين والمثقفين الذين يرون في إشراف الوزارة عليها ودعمها لها تقديرا لدور الكتاب والأدباء وحفظا لحقوقهم، وتنظيما لدورهم وللدور الوطني في إقامة الندوات التثقيفية والفكرية والأدبية.

الوزير الجديد ربما لا يعلم أن الوزارة مقصرة في دعم الصوالين الأدبية والدواوين الأدبية. كمؤسس وراع لديوان دحام العنزي الأدبي الثقافي لم أتلق ولو مرة واحدة دعما معنويا برسالة شكر من وزارة الإعلام رغم عشرات الندوات الفكرية والأدبية وسلسلة ندوات الوحدة الوطنية. والشكر والتقدير هو ما نحتاجه أنا وغيري كنوع من التشجيع على مواصلة مسيرة التنوير وبث المعرفة وتثقيف العقل الجمعي. الدكتور عبدالعزيز لا تخفاه أيضا العشوائية التي يمر بها المشهد الإعلامي من كثرة الصحف الإلكترونية وعدم تنظيمها والإشراف عليها، رغم كونها محسوبة على الإعلام السعودي الخاص. الوزير أيضا نحتاج إلى أن نصارحه بأن هناك مشاكل كثيرة في المشهد الأدبي، وأولها مشاكل الأندية الأدبية التي لا تنتهي. لعل وزير الثقافة والإعلام يستطيع معرفة تلك الإشكالات بالتعاون مع الصديق العزيز الدكتور أحمد قران الزهراني مدير عام الأندية الأدبية، الذي تم تعيينه حديثا للإشراف على تلك الولادة المتعسرة للائحة الأندية الأدبية، التي نسمع أنها سترى النور منذ فترة ولكننا ما زلنا نسمع جعجعة ولا نرى طحنا. دور الإعلام ليس فقط إبراز المنجزات والتقدم والتطور.. إلخ وتسويق منجزاتنا الحكومية وإن كان هذا أيضا مهما، لكنّ إبراز ثقافة المجتمع من خلال وسائل الإعلام الرسمية وقنوات التلفزيون هو الرهان الذي لم يكسبه أحد حتى الآن.

أيضا مناقشة فكرة دمج الأندية الأدبية مع جمعيات الثقافة والفنون في مراكز ثقافية في كل حي من المدينة لنصنع فعلا جيل المعرفة، ونعيش العالم الرقمي من خلال ممارسة التنوير بتثقيف الوعي المحلي من خلال جرعات مركزة لإثراء الجانب المعرفي وتشجيع الفكر. التهميش الذي تعانيه المرأة في المشهد الثقافي والأدبي والسيطرة الذكورية والإقصاء المتعمد أحيانا للإبداع النسائي من شرائح مختلفة، خاصة مضايقة المتطرفين لهن في المحافل الثقافية، يحتاج للوزير فعلا كي يؤسس لواقع جديد. نحن مع الوسطية فلدينا ثقافتنا العربية التي نستمد منها الكثير وحضارتنا الإسلامية كذلك، ونؤمن تماما أننا ثقافة شرقية حقيقية تختلف عن الثقافة الغربية، ولكننا نعيش معها حالة حوار وليس صراعا رغم حرص المستنيرين دائماً على التأكيد على الخصوصية السعودية المستمدة من تراث المنطقة ومحاربة التغريب. معالي الوزير شخص معتدل جدا ومتوازن، وهذا ما تراهن عليه الفعاليات الثقافية والأدبية، فليس هو بالليبرالي أو التغريبي وليس بالمنغلق والمحافظ بل تفكير حر منفتح على الجميع، يعي جيدا الطيف الفكري المتنوع. هذا ما نريده من معالي الوزير، وهذا ما أتمناه شخصيا من أخي الدكتور عبدالعزيز. المشهد الأدبي والثقافي والإعلامي والمجتمعي أيضا وفعالياته تنتظر من وزير الثقافة أن يبعد الثقافة وشؤونها عن الإعلام تماما، إداريا وماليا، وباستقلالية تامة، وكذلك تحويل رئاسة الأندية الأدبية إلى وكالة لتتفرغ تماما لإثراء المشهد.