تُرى هل استطاعت الرواية السعودية عبر عقود الأدب السعودي أن تكون نبضا للمجتمع وحراكه، ومؤشرا على تطوره أو تراجعه؟ باستقراء سريع يمكن القول إن الرواية السعودية منذ نشأتها وتسجيل الصدور الأول لبواكيرها عام 1349 متمثلا في رواية "التوأمان" للأديب عبدالقدوس الأنصاري التي على الرغم من الشك في فنيتها إلا أنها جاءت على قضية اجتماعية كان المجتمع يعاني منها آنذاك. وبقفزة زمنية واسعة نأخذ رواية "القارورة" ليوسف المحيميد التي عشنا معها أجواء حرب الخليج الثانية، وتأثيرها على النسيج الاجتماعي، وما تلا ذلك من تأثيرات اقتصادية وثقافية وفكرية، منها ما كان إيجابيا، ومنها ما وقع في الحمى جراء العلميات الإرهابية وموجات التكفير والتصنيف. واليوم على سبيل المثال نقرأ روايات تدلف إلى الهم الإنساني وإلى نجوى الذات والمصير، وما يحمله المستقبل في ضوء الحلم الذي نتشبث به جميعا المتضمن الحياة الكريمة وحرية التعبير والرأي، والمشاركة الفعلية في صنع المستقبل.

الرواية شكل من أشكال الثقافة، وفعل إبداعي يسبر الواقع، ويستكنه المقبل من صفحات الحياة، ويعمل على رسم معالم الطريق على إيقاع الحراك الجمعي وبنبض إنسان ذلكم الحراك، ولهذا فهي تتجاوز وصفها الأدبي إلى فعلها الثقافي كما أخبر أحمد الدغمومي "... قبل أن تختص الرواية بخاصيتها الأدبية، فهي قبل ذلك وبعده شكل من أشكال الثقافة" (كتاب: الرواية المغربية والتغير الاجتماعي). فهي بالقطع إنتاج خاضع للمتغير السياسي والاجتماعي لا يمكن فصلها عنهما إلا نادرا، وهنا تكمن مهمة الروائي المثقف من حيث قدرته على نسج المتغير داخل عمله بما يرافق ذلك من مخيال وتتبع لمواطن الظلام وزوايا العتمة وتسليط الضوء عليها.

إن اهتمام الروائي ككاتب منصب على الإصغاء لحركة المجتمع، وترك الحياة تجيب عن أسئلته، وتسعفه بموضوعاته التي يصوغها لقارئه، وعليه فلن يكون منشغلا بعكس الواقع بالقدر الذي يتطلب منه صنع واقع جديد له حيثيات ومضامين الحياة المجتمعية بكل تفاصيلها، على ألا ينسيه ذلك أنه بصدد عمل أدبي له أسسه وتقنياته، ولا يفوت القول إن تعامل الروائي مع الواقع محفوف بكثير من المشاكل، وبانحيازه كمنتم لهذا المجتمع، ومع ذلك فإن العبرة بالقيم الإنسانية الثابتة التي تستشف خلف الأحداث وليست الأحداث نفسها كما عبر عن ذلك الروائي واسيني الأعرج، في ندوة الشارقة للبوكر 2013، في معرض حديثه عن علاقة الروائي بمجتمعه.

لقد عملت الرواية السعودية على تشكيل الوعي المجتمعي، وهذا يحسب لها مهما كان حجم الاتهام بتراجعها فنيا، وإقبال من ليسوا بأهلها على كتابتها.