تحول منظر شوارع المدن العربية في نشرات الأخبار إلى نكتة لذيذة. سأحاول رسم هذه المناظر في الصور التالية: صنعاء وأخواتها تحولت إلى منظر ذلك (الشاص) الرمادي حيث شيخ القبيلة أو زعيم العصابة يجلس إكراما في (الغمارة) بينه وبين مقعد السائق مدفع صغير جدا لا تجد له مثيلا إلا في هذا اليمن. في الصندوق زحمة هائلة لحشد من الرجال إلى الحد الذي (يقف) الفرد منهم على قدم واحدة. وبالطبع يضع كل فرد منهم (رشاشه) وراء ظهره، وبالطبع يتدلى خارج الصندوق، وحده يستحق خيال (دافنشي) حيث فسيفساء الألوان مثلما يستحق نظرة من (إيف سان لوران). يحمل الفرد من أباطرة هذه الثورة في جيوب (كوته) كل شيء، مطبخا وقوت يومه وأيضا (دستات) الرصاص وأشياء من كل شيء. ما يحمله (الكوت) وحده يكفي لملء صندوق الشاص.
في ليبيا صورة أخرى لجماليات نكتة ثورة ربيع بني يعرب. هناك إبداع (عراوي) أبو غمارتين ويبدو أن ظروف الاقتصاد الليبي لا تجبر ثوارها على زحمة الوقوف بالصندوق. أربعة ثوار في داخل (الغمارتين) لأن الثورة تتطلب أجسادا مرتاحة. ما يدهشك في صندوق (العراوي) الليبية هو منظر ذلك (الرشاش) بسلاسله الطويلة من قلائد الرصاص، وما يدهش أكثر: كيف استطاعوا تثبيته في الصندوق؟ والجواب المؤكد أن البلد قد تحول بفضل هذه الثورة إلى ورشة.
في سورية لا أحد يعرف سيارات (داعش) لأنهم يتحركون كالأشباح إلى الدرجة التي صرت معها أشك أن هناك شيئا اسمه (داعش)، لكن جبهة النصرة تبدو واضحة في الشوارع على سيارات (البنز) القديمة من موديلات ستينات القرن الماضي، وهذه السيارات بالتحديد يعشقها أهل الشام منذ تلك الأيام التي اخترعوا لنا فيها شعار بني يعرب الشهير: أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة. انتهت بنا هذه الشعارات إلى (ثورات) عراوي وماراثون (شاصات). تسألونني متى تنجح الثورة وتشق طريقها لتحقيق الديموقراطية في شوارع العرب؟ الجواب: عندما يثمر النخيل السكري في جبال السودة.