الحقيقة التي لا تقبل الجدل أن ثقافة الرأي والرأي هي آخر ما يمكن أن نقبل به في وسطنا الرياضي، ومن عاشر المستحيلات أن نتحاور حواراً حضارياً، وليس في أجندتنا ما نعتبره وجهة نظرك ووجهة نظري.
والحقيقة الأخرى التي باتت موضة عند الإعلام الرياضي، هي تناولنا للوطنية والمواطنة وربطها بالرياضة، وكرة القدم تحديداً، وكأننا لا نعرف الوطنية إلاّ عند اختلاف الآخرين معنا، فنبدأ في عمليات إقصاء الآخر.
أتذكر كثيراً مقولة رئيس النصر السابق، الأمير عبدالرحمن بن سعود "رحمه الله" والتي كان يكررها كلما احتاجها "إن لم تكن معي فأنت ضدي" . ومن هذه العبارة تولد مفهوم عدم القبول بالرأي الآخر، مهما كان، ومهما بلغت ثقافة صاحبه.
سئمنا كثيراً من ترديد عبارة ( نحن عرب ) مع كل مشكلة تواجهنا، وكأن العرب لا يفكرون، وأنه لا يوجد من هذه الأمة من يؤمن بالتطوير، أو أن ليس بينهم من يستطيع أن يتعامل مع الأمور بحكمة وفكر وأنظمة ولوائح وقوانين.
مثل هذه العبارة مرفوضة جملة وتفصيلاً، لأننا لا ينقصنا شيء، فكما يفكر الغرب نحن نفكر أيضاً، وكما يبتكرون الآن ويطورون، كان أجدادنا قد سبقوهم إلى الابتكار بمئات السنين، لكن الفرق بيننا وبينهم ـ وأتحدث عن عصرنا الحالي ـ أنهم يحترمون الأنظمة، ونحن نسنّها ولا نعمل بها.
سأضرب مثلاً واحداً فقط للتدليل على ذلك: فما فائدة إصدار جدول الدوري للأندية الممتازة، وما جدوى الاجتماع بمندوبي الأندية، إذا كنا لا نلتزم بالمواعيد التي وافقنا عليها وأقررناها، وما الفرق ـ إذاً ـ بين أن تصدر جدولاً، أو لا تصدره؟
وحتى لا يفهم ما أعنيه على أنه يقصد منه مباراة الاتحاد والهلال التي صدر قرار الرئيس العام بتأجيلها، ولكنها حالة ماثلة أمامنا، وتأجيلها في هذه الظروف وبهذه الطريقة، يفتح الباب لإصدار قرارات مماثلة في مشاركات مقبلة للأندية، حتى وإن كانت في بطولة مدرسية.
علينا، إن أردنا أن يكون لدينا "دوري محترفين"، أن نضع حداً لـ"دلال" الأندية المتزايد، فتجربة تفريغ الاتحاد في العام الماضي للمباراة النهائية في دوري أبطال آسيا، جاءت بنتائج عكسية، وهذا ما أخشاه على الهلال في أن يتكرر معه ما حصل مع الاتحاد.
ولعل المتابع للإعلام السعودي يلاحظ أن الآراء المطروحة في كلا المعسكرين لم تبن على تحليل منطقي، بل انطلقت من زاوية تغلب عليها العاطفة، فالمعسكر الهلالي إدارة وإعلاماً يدافعون عن القرار، ويرون أنه قرار صائب، وعلى العكس من ذلك يرى المعسكر الاتحادي أن قرار التأجيل لا يخدم الهلال ـ وهذا ما أميل إليه ـ، ويرون أيضاً أنهم كونهم الطرف الثاني في القضية، فإن من حقهم أن يؤخذ رأيهم في فكرة التأجيل، بدلاً من تجاهلهم، ووضعهم بالتالي أمام الأمر الواقع.
لم يعد من المفيد الحديث عن هذه القضية ـ وما أكثر القضايا التي نخلقها ـ، ثم نتناولها، حتى يصبح تناولنا لها أكبر من القضية نفسها،وتلك أكبر قضايانا، ولو تعاملنا مع الأمور ـ كل الأمور ـ وفق الأنظمة واللوائح والتشريعات الرياضية، لما واجهتنا هذه القضايا التي نعالجها بقضايا أكبر منها، وهذا يعني أننا لانحل المشكلة، ولكننا نعقدها أكثر.
إذا كانت اللجان العاملة في اتحاد الكرة غير قادرة على اتخاذ قرارات لما يواجهها من طلبات، أو ترددها في إصدار قرارات، فما فائدة تشكيلها وبقائها، وما أعنيه هو أن نمنح هذه اللجان كاللجنة الفنية ولجنة المسابقات، ولجنة الاحتراف صلاحيات مطلقة، طالما أنها حظيت بثقة القيادة الرياضية.
إن القضية التي تحتاج إلى تدخل عاجل، وقرار صارم، ما قاله صاحب ذلك التصريح الذي أعقب مباراة الاتفاق والفتح، وهو المشرف العام على كرة القدم لفريق الفتح، أحمد الراشد والذي وصف فيه لاعبي فريق الاتفاق بـ"...." أجلكم الله، فهل هذه هي أخلاقنا الرياضية؟ وهل يستحق مثل هذا البقاء في منصبه لساعة واحدة بعد هذا التصريح؟