أسئلة توضيحية: هل يوجد هناك نظام بهذه الصيغة اللغوية على أرض الواقع ومعترف بأعماله وأدواره رسمياً؟ التاريخ العربي والواقع الاجتماعي للحياة العربية، يثبتان ويبرهنان على أن القبيلة كانت هي السلطة المعنية بتسيير أمور الأفراد التابعين لها منذ مئات السنين وقبل تأسيس الدول، وأن شيخ القبيلة كان بمثابة "الأب الكبير" لباقي الأسر المنتمية للفخذ ذاته، وأن الطاعة كانت مطلقة لا يعتريها تردد ولا تمرد، وأن القبائل كانت تفوق بعضها بقوة تعاضدها والتفافها حول قائدها.
نظام القبيلة في أيسر تعريفاته هو: "مجموعة من الأعراف والعادات والتقاليد والممارسات والمراسيم الاجتماعية تنتج عنه (وصفة) تميز منطقة عن جارتها، في استقبال الضيف والحفاوة والمصطلحات اللغوية والعرضات والأفراح، والاهتمامات الإنسانية". يقود في كثير من الأحيان إلى التعصب والإفراط والمبالغة والحماس العاطفي.
رسولنا الكريم لم يبعث لإلغاء نظام القبيلة، بل أقره وأعلن ذلك صراحة بأنه ينتمي لقبيلة قريش إحدى القبائل العربية العريقة قبل الإسلام وبعده، وحين انتصر بعد معركة طويلة دامت عشرين عاما يناضل ويدعو ويقاتل ويحاور، جاءته الوفود العربية من كل جانب تعلن ولاءها وثقتها وطاعتها وانقيادها لدعوته حتى سمي عام الوفود (أي ولاء القبائل). فلم ينكر ذلك النظام الاجتماعي العريق، بل أحسن وفادته وإكرامه، وكان مطلعا على أنماط الأعراف الاجتماعية، فكان يكرم سيد كل قوم.
ولعل ملتقى قبائل عسير الذي أقيم مؤخراً بالمنطقة الشرقية، وتحديدا في الأوجام في الجهة الغربية من القطيف، يعد نموذجا اجتماعياً واعياً يحمل بطياته أبعادا تربوية واجتماعية صرفة، تؤكد على ضرورة التماسك والترابط والتكاتف والتعاون والتلاحم، حيث التقى فيه أبناء عموم قبائل عسير المقيمين بالمنطقة الشرقية بمختلف محافظاتها ومدنها، وذلك بمناسبة عيد الأضحى المبارك، واستهل الوفود مراسيم الحفل بعادات وتقاليد المنطقة الجنوبية بداية من الدخول الجماعي والاستقبال الخطابي والضيافة ونهاية بالعرضة العسيرية كالخطوة والدمة.
ومما أضفى أجواء على هذا الملتقى جمالية التلاحم العميق بين عموم قبائل عسير كافة المشاركين في دعم وإعداد هذا الملتقى الذي غابت عنه الذاتية، وحضر فيه التعاون والجماعية، بدءا من الداعمين والمنظمين والمشاركين والحضور كأنهم على "قلب رجل واحد".
لهذا نقول للمنادين بمجابهة ونقد الأعراف الاجتماعية لا تفعلوا، فإنه ـ في كثير من الأحيان ـ يكون الانتماء وقاية من وقوع الإنسان في التوافه والخزي والمشينات الاجتماعية. وهي بكل تأكيد تحمي المجتمع من التآكل والذوبان والانحسار والتفكيك، ومن هنا، يبقى الدور على المثقفين وشيوخ العشائر والقبائل بأن يكونوا نماذج مميزة في نبذ التعصب والتطرف في الانتماء الذي يؤدي لكراهية الآخر واحتقاره أو استصغاره. وأن يكون معيار التفاضل هو التقوى كما قال تعالى: (يا أيها الناس إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكركم عند الله أتقاكم).