الخطيئة والتوبة لا تفرقان بين رجل وامرأة، كلاهما في نفس الميزان، في الثواب سواء وفي العقاب سواء، هذا ما هو مدون في نصوص الشرع، وما يفترض أن نعتقده ونمارسه في مواقفنا وعلاقاتنا مع أنفسنا ومع غيرنا. فالخطيئة هي الخطيئة، ليس لخطيئة الرجل اسم يختلف عن خطيئة المرأة، كلاهما مخطئ وكلاهما يستحق العقوبة وكلاهما أيضا باب التوبة مفتوح له، ولكن ما هو موقف الثقافة الموروثة من ذلك؟ هل تقف نفس الموقف؟ هل الخطيئة هي الخطيئة أم أن الأمر مختلف؟

الواقع أن ثقافتنا أحيانا ترفض أن يتساوى الجنسان في الأمر، إنها تضع الرجل في مكان مختلف ودرجة مختلفة، الرجل في تعاليمها عادة ما يكون سيداً مغفور الذنب بينما لا يحق للمرأة الخطأ، وإن أخطأت فباب التوبة ليس مفتوحاً في كل الأحوال.

"الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك"، جاءت هذه الآية لتسمو بالزواج مؤكدة على مبدأ المساواة في تطهير حياة الجنسين والمساواة في المكانة وحق الحماية على حد سواء، لكن لثقافتنا رأي مختلف، لقد جاءت لتلبي حاجة الرجل وتمنحه من الأعذار وصنوف التيسير ما يشاء، كما أن باب التوبة مفتوح له منتظراً عودته متى ملّ الخطيئة.

إن خطيئة الزنا كمفهوم في الثقافة الموروثة ليست تلك الخطيئة التي تستدعي رفض صاحبها للزواج فهو وإن كان ذلك الرجل الذي امتهن الزنا كما يمتهن صاحب الحرفة حرفته إلا أنه أيضا رجل طيب ومن بيت طيب ومعروف الحسب والنسب ووظيفته جيدة وهذا الذي يهم، فالرجل "ما يعيبه إلا جيبه"، وما دام أنه قادر على الإنفاق وضمان الحد الأدنى من الحياة الكريمة فهذا سبب كافٍ لمباركة هذا الزواج، وليس للمرأة أن تطلب أكثر من ذلك حتى وإن كان حقا مشروعا، في المقابل تأتي الثقافة نفسها لتخبر المرأة بأن التوبة إنما هي صفة ذكورية صنعت لتوافق فطرة الرجل وتبقى المرأة في شريعتها مرفوضة الخطأ عامدة كانت أو جاهلة، ومرفوضة التوبة إن حصل وأخطأت.

لقد وُضع الرجل في ثقافتنا في أقصى اليمين والمرأة في أقصى الشمال، ففي الأولى مرونة حد الضرر وفي الثانية صلابة حد الضرر، في الأولى مرونة في قبول خطأ الرجل ومرونة أيضا في قبول توبته، وفي الأخرى صلابة في قبول خطأ المرأة وصلابة أيضاً في قبول توبتها، وبقيت منطقة الوسط حيث يجتمع اعتدال الجنسين والموقفين مهملة، ففي المنتصف يتقاسم الرجل والمرأة الثواب والعقاب، ويصبح موقف الثقافة لكليهما صلبا في قبول الخطأ حتى لا يقع، مرنا في قبول التوبة إن وقع.

ما تحتاجه ثقافتنا هو أن تمتثل موقف نبينا -صلى الله عليه وسلم- من المرأة التي زنت والرجل الذي شرب الخمر، كلاهما أخطأ وكلاهما عوقب وكلاهما أيضاً قُبلت توبته، لم يجعل النبي التوبةَ حكراً على جنس دون غيره، فكما شهد لشارب الخمر بحب الله ورسوله شهد أيضاً للمرأة بتوبة لو وزعت على سبعين من أهل بدر لكفتهم، بل إنه لم يكن ليقيم الحد عليها لولا إصرارها.