كثير منا يرى أن الكتابة وسيلة متطورة جدا للتعبير عن القضايا الفكرية والسياسية والثقافية، وأنها حكر على هؤلاء الذين يطلق عليهم لفظ مثقفين أو كتاب أو صحفيين أو شعراء، في حين كانت الكتابة قديما وسيلة يستخدمها البعض لتوثيق التاريخ وتسجيل الآراء من أجل ضمان مرورها للأجيال اللاحقة.

الكتابة اليوم أصبحت متاحة للجميع إذ إنها الطريقة التي بها يتخاطب المتخاطبون في العوالم الافتراضية، فتجد ابن العاشرة يتحدث عن هموم دراسته مع زميله عبر "واتساب" وابنة الثامنة عشرة تجادل صديقتها حول جمال ذلك الفستان عبر "إنستجرام" وابن الأربعين يدلي بدلوه حول أحداث أوكرانيا أو قمة العشرين عبر "تويتر" و"فيسبوك".

شخصيا أجد أن في الكتابة علاجا أمثل للتخفيف عما يجيش في الخاطر والعقل والنفس من تأزمات ومشاعر مختلطة من حزن وغضب وكره، كما أن سطورها التي ترتسم عليها خطوط الحروف والمعاني تتجلى فيها خلجات ربما يصعب على الفرد منا في هذا الزمان غير المتصالح أن يعبر بها لصديق وزميل وقريب، فالجميع أصبح اليوم مهموما بمشاكله ولا أحد يرغب في أن يحمل نفسيا مشاكل غيره، لذلك فالكتابة هي الصديق الحقيقي الذي يمكن لنا أن ننثر عبره الدموع ونطلق لحناجرنا العنان بالصراخ في وجه الظلم والقهر، ونسجل مواقفنا التي سيحفظها لنا تاريخنا الفردي وتاريخ كل إنسان مؤمن أننا على حق، أو لنا الحق في أن نعبر بحرية عما نؤمن به.

كنت وما زلت من أكثر المتحميس لفكرة التدوين الشخصي الذي انتشر بشكل لافت خلال السنوات السبع أو الثماني الماضية، وما زلت من المؤمنين أن هذا النمط من الكتابة الحرة عبر مواقع التدوين الإلكتروني يعد من أفضل المعالجات النفسية لأرواحنا المتخمة ماديا ونفعيا، فعبر تلك الصفحات نستطيع أن نعبر عما نريد دون أن يمر ذلك على رقيب يمنع كلمة أو مدير يرفض أخرى، على الرغم مما أصاب هذ الفضاء الحر من تلوث رقابي رسمي ينم عن عدم احترام وفهم لأهمية الكلمة الحرة.

أقترح على الجميع أن يعيدوا النظر في الكتابة، إذ إنها آلية كل فرد منا للتنفيس عن مشاعره ومعالجة تأزماته، ولتكن حروفه تلك سجله الذي به يقيم نفسه، واختبار حقيقي لمدى قدرته على تحويل دواخله لمادة تاريخية يمكن لها أن تخلده بطريقة يمكن له أن يقول في يوم: "لقد أنصفنا التاريخ".