فيما انتهى الوضع الأمني المتردي في طرابلس، بإعلان الجيش اللبناني أمس أنه تمكن من إخراج مجموعة مسلحة يعتقد أنها تنتمي إلى تنظيم "داعش"، وأنها كانت تنوي الإعلان عن إمارة، كشف مسؤول حكومي أسباب الهجوم المفاجئ الذي شنه وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، على قائد الجيش العماد جان قهوجي، مشيراً إلى أن ذلك الهجوم جاء مدفوعاً بمواقف تيار 8 آذار الذي يحمل قيادة الجيش مسؤولية رفض الهبة العسكرية الإيرانية للجيش اللبناني.
وقال المصدر الذي رفض الكشف عن هويته في تصريحات لـ"الوطن" أمس، أن "تيار الثامن من آذار كان يعول بشدة على الهبة العسكرية الإيرانية، لجهة تجنيد عملاء في الجيش لما يسمى بمحور المقاومة والممانعة، تحت ذريعة تدريبهم في طهران على استخدام تلك الأسلحة، ولكن الموقف القوي لقيادة الجيش برفض تلك الهبة المشبوهة أثار حفيظة حزب الله وحلفائه، ولم يجدوا غير تجنيد باسيل للإفصاح عن مدى غيظهم وسخطهم، لا سيما وأن الحكومة تتجه بصورة حتمية إلى رفض قبول الهبة بناء على طلب الجيش، كما أن نأي الجيش عن الدخول في تنسيق عسكري مع نظام الأسد –الحليف القديم لتيار ميشال عون الذي يمثله باسيل– ربما كان سبباً آخر وراء هذا التجني". وأكد المصدر أن "الوزير باسيل يقدم مصالحه الحزبية على مصالح الوطن، ولا يأبه بما يواجهه من مخاطر محدقة به".
وكان الوضع الأمني قد انفجر في طرابلس أمس، ووفق معلومات مؤكدة فإن مجموعة مسلحة يعتقد أنها تتنمي لتنظيم "داعش" شنت معركة ضد الجيش اللبناني في المدينة انتقاماً لاعتقال الجيش للإرهابي سليم ميقاتي بمداهمات عاصون في الضنية، وأدت الاشتباكات إلى سقوط 13 جريحا من الجيش والمدنيين فيما لم تعرف خسائر المجموعات الإرهابية.
وشهدت الأسواق الداخلية لطرابلس وتحديدا سوق العريض وسوق النحاسين، والتربيعة، وباب الحديد، وخان العسكر، اشتباكات بين مسلحين وعناصر الجيش اللبناني، حيث عملت وحدات الجيش على محاصرة المسلحين داخل الأسواق وتضييق الخناق عليهم بعدما استقدمت تعزيزات للمنطقة وقطعت كافة الطرق المؤدية إلى الأسواق.
وقالت مصادر لـ"الوطن" إن حصيلة الاشتباكات حتى ظهر أمس تضمنت إصابة 9 عسكريين بينهم ضابط برتبة ملازم أول، و4 مدنيين بينهم مصور صحفي في جريدة الأنوار، كما أقدم مجهولون على إطلاق النار على سيارة عسكرية تابعة للجيش اللبناني بالقرب من أفران "لبنان الأخضر" على طريق بحنين- المحمرة، ما أدى إلى إصابة عسكريين اثنين تم نقلهما بواسطة الصليب الأحمر إلى مركز اليوسف الاستشفائي في حلبا، فيما أشارت تقارير إلى إحباط قوى الجيش محاولة مجموعة مسلحة خطف خمسة عسكريين خلال توجههم إلى مراكز عملهم في محلة المحمّرة–عكار، وقامت بملاحقة المسلحين والاشتباك معهم، حيث أوقعت عدداً من الإصابات في صفوفهم وسقط للجيش قتيلان .
كما أعلنت قيادة الجيش أنه بعد ظهر أمس، استهدف مسلحون بقذيفة صاروخية، آلية تابعة للجيش في محلة المنية (شمال)، مما أدى إلى مقتل ضابط، وأن وحدات الجيش تقوم بملاحقة المعتدين لتوقيفهم.
من جانبه، أكد وزير العدل أشرف ريفي بعد اجتماع في دارته "أن مدينة طرابلس هي مدينة للعيش المشترك، وهي ليست ساحة صدى لما يحصل في سورية والعراق، نحن بيئة حاضنة للجيش ونحن على تشاور دائم مع الرئيس تمام سلام والرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة، لحفظ أمن المدينة". وقالت مديرية التوجيه التابعة لقيادة الجيش في بيان أمس، إنه "اعتبارا من مساء أول من أمس، تعمل قوى الإرهاب على زعزعة الوضع الأمني في مدينة طرابلس وإثارة الفتن والتحريض المذهبي، فعمدت إلى نشر عناصر مسلحة في محلة الزاهرية - طرابلس، وعلى الفور تدخلت قوى الجيش المنتشرة في المنطقة واشتبكت مع المسلحين بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، حيث عملت على تطويقهم داخل الأسواق العتيقة، ولا تزال وحدات الجيش تقوم بتنفيذ عمليات دهم للأماكن المشبوهة بغية توقيف مطلقي النار وإحالتهم إلى القضاء المختص".
وأشارت مصادر إلى أن الخلية الإرهابية التي تم ضبطها في عاصون قبل يومين، كانت تخطط لخطف عناصر من الجيش وقوى الأمن في منطقة الشمال، لإضافتهم إلى العسكريين المخطوفين بهدف زيادة الضغط على الدولة ورفع سقف شروط إطلاق سراحهم، مؤكدة أن الخلية كانت قد انتهت فعليا من مرحلة التخطيط وانتقلت إلى مرحلة التنفيذ، إلا أن يقظة رجال الأمن حالت دون إكمال مخططها الإجرامي وباغتت أفرادها في وكرهم واعتقلتهم قبل بدء التحرك الفعلي.
يذكر أن التحرّك المسلح في طرابلس بدأ بعد صلاة الجمعة أول من أمس، بعد دعوة الشيخ خالد حبلص والشيخ طارق الخياط إلى العصيان المسلح ضد الجيش اللبناني، إثر ذلك تجمع أكثر من 150 مسلحاً في باب التبانة وبدؤوا بالانتشار والتسلل إلى الأسواق الخارجية، وليلا وصلت معلومات الى الجيش تفيد بأن المسلحين ينوون الدخول الى أحد الجوامع لإعلان إمارة في طرابلس والطلب من الشباب الالتحاق بهم وتنفيذ هجمات ضد الجيش، فتحركت وحدات من الجيش على الفور ضمن خطة محكمة وطوقت المسلحين في أكثر من نقطة ودارت اشتباكات عنيفة انتهت باخراج المجموعة المسلحة من طرابلس.