شركة آرامكو، اسم حين يطرح يتبادر إلى ذهن المتلقي صورة عملاق في كل شيء لا يعرف التناهي والصغر، شق الرمال الذهبية بيدين تحملان دماء "سيد الطاقة" (النفط)، ومنه نفذت هذه الشركة في كل منزل وكل شارع وكل مصنع في كل شبر من أشبار الكرة الأرضية، كيف صار هذا العملاق بهذا الحجم وكيف نفذ استراتيجية التسيد على ساحة الطاقة العالمية هي الأسئلة المطروحة التي تطفو مع كل برميل نفط يتدفق.
ولا أبرع في سبر أغوار نجاح هذه الشركة وما حققته طوال مسيرتها من العارفين بشعابها الذين سبق لهم أن عايشوا النجاح، حيث كشف الرئيس السابق لأرامكو السعودية كبير الإداريين التنفيذيين عبدالله بن صالح بن جمعة أن سر نجاح أرامكو يكمن في الثقافة العامة التي تحكمها، والنظام الذي بنيت عليه يعد أحد أهم أسباب نجاحها وتطورها، مبيناً أن استراتيجية إخراج "المارد من القمقم"، بمعنى إطلاق الطاقة العقلية الجبارة التي وهبها الله للإنسان، هي العلامة الفارقة والإضافة الحقيقية التي أحدثها في الشركة أثناء فترة رئاسته لها.
وأشار ابن جمعة، في ورشة عمل بعنوان "تجربته الإدارية" بتنظيم من غرفة الأحساء، إلى أن أكبر تحد واجهه عندما تولى رئاسة الشركة وهو أول شخص غير مهندس يرأس أرامكو، كان بناء فريق عمل ذكي ومنسجم وممتاز يضع كل تركيزه وأهدافه نحو أولويات الشركة، وأن يعمل بروح الفريق الواحد، وكذلك استحداث آليات لتوصيل الأفكار من القيادة إلى العاملين في الخطوط الأمامية في الشركة حتى يطبقوها ويؤمنوا بها، مشيراً إلى تطوير نظام متقدم لإدارة الأفكار وتشجيع الموظفين لتقديم المبادرات والأفكار التي يمكن أن تحسن الأداء، أو توضح الأخطاء، وتساعد في العمل بطريقة أكثر كفاءة، أو تقلل النفقات أو تسهم في زيادة الأرباح.
وذكر أن تجربته في أرامكو السعودية كشفت له أن نجاح المؤسسات الكبيرة رهن بوجود نظام إداري قوي وأهداف محددة وواضحة، مبيناً أن الشركة حددت عشر قيم عمل خلال عمرها هي: الامتياز في الأداء، وتطوير العاملين، والعدل والنزاهة، والعمل بروح الفريق، والمحافظة على السلامة، والتجاوب، والحفاظ على الموارد، إضافة إلى الثقة، وتحمل المسؤولية، والمواطنة.
وقال جمعة إنه من الصعب عليه فصل تجربته العملية في الشركة، عن تجربته الشخصية، حتى بعد مرحلة رئاسته لها، إذ تظل "أرامكو" ومستقبلها في عقله وقلبه، متمنياً أن يراها تتقدم بشكل أفضل، مؤكداً أن الطاقات البشرية الحديثة الموجودة فيها تقوم بدورها، وبالتدريب والتطوير ستحقق المزيد من الإنجازات الهائلة في المستقبل، والتي قد لا يمكن تصورها الآن.
وكان عضو مجلس الشورى رئيس غرفة الأحساء صالح العفالق، استهل الورشة بالإشارة إلى أن عبدالله بن جمعة صنع تجربة علمية وعملية فريدة تتسابق عليها المراكز والمؤسسات محليا ودوليا للاستفادة منها وعرضها على الجيل الجديد حتى تصبح لهم قدوة في مسيرة حياتهم العلمية والعملية، مبيناً أنه قضى أكثر من 40 عاماً في أرامكو، منها نحو 14 عاماً شهدت انطلاقتها إلى آفاق واسعة في النجاح والتميز.