تصدرت مداخلة أمين مدينة الرياض الأمير عبدالعزيز بن محمد العياف الجمعة الماضية في برنامج (الحياة كلمة) الذي يقدمه فضيلة الشيخ سلمان العودة حديث المجالس الخاصة والمنتديات في الشبكة العنكبوتية، والتي بدورها لغطت بكثير من السخرية والاستنكار محاولة تكميم الأفواه والفوقية التي تلمّسها كثير ممن استمع للمداخلة. ومن يقرأ تلك التعليقات ليتفاجأ بطريقة تفاعل الأجيال الجديدة مع الموضوعات الوطنية، والثقافة العامة التي تبلورت في هذا العهد في معرفة الحقوق والواجبات ومساحات الاختلاف والرأي.
ففي حلقة الجمعة الماضية، أشار الشيخ العودة في مقدمة حديثه – كعادته في كل حلقة – إلى جملة من الموضوعات الحدثية، كوفاة المفكر المغربي محمد عابد الجابري، وعرّج ضمن حديثه العام على أن السيد (مطر) زار الرياض وكشف هشاشة البنى التحتية والفساد، ثم انفلت الشيخ إلى موضوعات أخرى للحلقة.
الجملة القصيرة العابرة للشيخ سلمان العودة أثارت أمين منطقة الرياض؛ الذي كان يتابع البرنامج، وقام بالاتصال في آخر الحلقة؛ وأتيح له التعليق، فاستنكر على الشيخ أن يتطرق إلى هذا الموضوع، وبلغة فيها لوم أشار إلى الكلمة الحارقة: الفساد، وقال للشيخ إن الأولى الاتصال بأمانة الرياض كي تزوده بالمعلومات، غير أن الأطمّ في المداخلة جملته: لماذا تتحدث عن هذا الموضوع دون أن يطلب منك.
أعدت السماع للمقطع – الذي راج بالطول والعرض بمواقع الشبكة العنكبوتية والبُرد الإلكترونية - لعدة مرات، وآلمتني جدا كلمة مسؤول كبير في موقع حسّاس، ويصنف ضمن فئة التكنوقراط أن يوبّخ الشيخ بهذه الطريقة وعلى مشهد ومسمع مئات الآلاف من المشاهدين. وكإعلامي أقول؛ ربما كانت مطالبة الأمين تصحّ في ضرورة التزوّد بالمعلومات الدقيقة إذا كان موضوع الحلقة الرئيس مخصّص للحديث عن الفساد وهشاشة البنى التحتية التي فضحها المطر في مدينة الرياض، أما إذا كان رأياً عابراً من وحي المشاهدة على الواقع، ومما نقرأ في الصحف الرسمية، ولم يحدّد الشيخ العودة أحدا أو يعيّن، فلا أعتقد أن يستدعي ذلك انزعاج الأمين وظهوره بذلك المظهر الذي أساء له بشكل شخصي وللمنصب الذي يقتعده، سيما أن القضية مطروحة إعلامياً، والمعلومات توفرها الصحف التي تغطي الحدث يومياً بالتقارير والصور، وقد ضجّ كتّاب الصحافة وتهكّموا على ما حصل، وطالبوا بفتح تحقيق عن الفساد، وعن مئات الملايين من الريالات التي أنفقت على تلك المشروعات الكبيرة في العاصمة التي لم تصمد أمام مطر عابر، إضافة إلى التصريح الصحفي للأمين ذاته عن أن العاصمة مقبلة على كارثة إذا استمرت الأمطار في الهطول.
هذه المداخلة التي لم يوفق فيها أمين مدينة الرياض وهو يملي بفوقية ويوبخ العودة في طرح الموضوع، يعيد لنا موقفاً قريباً من وزيرنا للشؤون الاجتماعية معالي الدكتور يوسف العثيمين وهو يحجب حق إحدى السجينات (فوزية النعيمي) في المداخلة والتعليق، ونهرها بقوله "اسكتي أنا رئيس الجلسة وأدرى بما يجدر التوقف عنده".
من المفارقات أن وزيرنا العثيمين كان يرعى جلسة الملتقى الثاني للجان رعاية السجناء في فندق (الفورسيزون) ببرج المملكة. فوزية النعيمي السجينة المواطنة التي كانت خرجت من السجن منذ عام تريد أن تقول إنها تخشى العودة إلى السجن مرة أخرى، بعد أن يئست من جميع المسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية وإدارة السجون، على حدّ قولها. فيما برّر العثيمين إيقافه مداخلة المرأة بأنه: "لا حاجة إلى سرد كل التفاصيل وضرورة إتاحة المجال للآخرين"، قائلا إنه: "رئيس الجلسة وأدرى بما يجدر التوقف عنده".
لم يتطرق إلا القلة من الزملاء لهذا الموقف الجلل، منهم كاتبنا المبدع محمد الأحيدب في موقف شجاع يصطف بجانب عشرات من مقالاته المنصفة والشجاعة (صحيفة عكاظ - الخميس 22 /05 /1431 هـ) قائلا: "كيف يكون هذا التصرف من وزير يفترض أن ينصت للمرأة ، ويجد حلا لمشكلتها ؟!".
للأسف لم تجد هذه الحادثة صدى في الإعلام، وتبسمت طويلا جداً جداً وأنا أصفق كفا بكف؛ وأقول: ليت شعري، أين كتائب الكتبة من زملائي عن هذه الحادثة، وتخيلت أن الذي نهَر تلك المرأة السجينة وحجبها عن الكلام هو صالح آل الشيخ أو عبدالعزيز الحمين أو صالح بن حميد، بل أبعد من ذلك، عضو هيئة الأمر بالمعروف في قرية من قرى منطقة الخرخير أو القنفذة، كيف ستسكب الأحبار وتراق مع أنهار الأدمع لأسابيع عدة، تنعي هذه الفوقية والسلطوية غير المبررة.
لهذين المسؤوليَن، ولزملائهما أقول: يا أحبتنا، إننا في عصر عبدالله بن عبدالعزيز الذي أشاع ثقافة الحقوق، ورسخ الحوار والرأي الآخر والوسطية، وفتح ملف الفساد ولصوص الأموال العامة، وأتاح للإعلام مساحات من الحرية المسؤولة، وألزمها بأن تقوم بواجباتها كسلطة رابعة، تساعده على كشف مواطن الخلل والتقصير.
يا أحبتنا: لا يمكن الرجوع للوراء، وتلكم الكمامات التي كنتم تلزمون بها منتقديكم ذهبت إلى غير رجعة، إنه عصر عبدالله بن عبدالعزيز حيث الشفافية والمطالبة بحقوق المواطن وحقه في التعبير عن رأيه، ومحاسبة الفسدة والمقصّرين، فتنبهوا لتصريحاتكم وتصرفاتكم. وثقوا بأنه إن جبن بعض رؤساء تحرير الصحف عن نشر الأمر، لأقسم لكم أنكم ستجدون أمثال تصريحاتكم تناقش في الفضائيات ومواقع الساحات العنكبوتية والمدونات الشخصية بالصوت والصورة، أنه جيل الفيس بوك واليوتيوب فتنبهوا.