توفير الوظائف لأي باحث عن عمل مهمة وواجب وزارات العمل والخدمة المدنية والوزارات الأخرى المتخصصة، وهي في الواقع معنية بإبعاد شبح البطالة عن الحياة العامة والاقتصاد الوطني، ولا يمكن أن يكون الأمر تجميلا لتقارير سنوية بإحصاءات غير دقيقة عن التوظيف، فيما يلهث الخريجون وراء وظائف وينتظرونها بالسنوات ثم لا يجدونها، والعمل حق طبيعي لكل مواطن ومواطنة والأجهزة التنفيذية معنية بالاستيعاب وابتكار وسائل لذلك، ولا يمكنها أن تركن إلى تضييقات روتينية تبقي القوائم طوال سنوات تتآكل فيها الأحلام وتنهار الطموحات.

أتوقف هذه المرة عند قضية توظيف خريجي الانتساب الذين يتخرجون في الجامعات السعودية بشهادات علمية معترف بها منذ نحو أربعين عاما، ولكن فرصها في الاعتراف والقبول تضيق مع ضيق الحلول واحتفاظ الجهات المعنية بسقف محدد للاستيعاب لا يتطور أو ينفتح بما يقابل ذلك الاستيعاب الوظيفي، والحالة التي بطرفي تشير إلى أن وزارة التربية والتعليم كانت تعمل على تعيين خريجي الانتساب إلى أن أوقفته عام 1427.

وزارة التربية والتعليم اشترطت لتعيين خريج الانتساب أن ينال الطلاب دبلوما تربويا، وذلك منطقي، ولكن بعد أن نالوا ذلك، واجهتهم باستحقاق عبور اختبار القياس، وبعد أن عبروا وقدموا على الوظائف التعليمية استبعدتهم الوزارة بدون سبب رغم أنهم استكملوا جميع الشروط، لينتقل بهم مسار التوظيف إلى موقع "جدارة" بوزارة الخدمة المدنية التي لم ترفض تعيين الانتساب أسوة بزملائهم السابقين قبل عام 1427، وإنما كان الرفض من وزارة التربية والتعليم.

اتجه قطار هؤلاء نحو محطة المحكمة الإدارية ضد وزارة التربية والتعليم، وأجد ذلك صحيا في إطار عملية إدارية حضارية وسليمة، وتعددت الشكاوى المرفوعة ضد الوزارة من طلاب الانتساب، وفي كل مرة كانوا يكسبون وتصدر أحكام تسمح بتعيينهم، ولكن التعيين لا يتم، وبغض النظر عن التعب في سنوات الدراسة والتكاليف الدراسية ما بين الرسوم والبحوث والدروس الخصوصية والسكن والسفر وغيرها، إلا أن الاستحقاق يتجاوز ذلك بوصفه أمرا طبيعيا لا يحتاج كل تلك المراوحة بين الوزارات والمحكمة الإدارية.

في مرحلة أخيرة طرق الطلاب باب وزير التربية والتعليم صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل ووعدهم خيرا ووجه بحل قضيتهم حسب النظام، ولكن تقف الإدارة العامة للإشراف التربوي بالوزارة عائقا أمام تنفيذ توجيهات سمو الأمير، وتم تحويل مسار القضية إلى إدارة أخرى في الوزارة، وهي إدارة الشؤون المدرسية التي ترفض التعيين برغم النظام الذي يسمح بالتأكيد بحسب حكم المحكمة الإدارية.

تعقيد القضية على هذا النحو البيروقراطي في ظل توجيه الوزير المسؤول والحكم القضائي، تترتب عليه مسؤولية إدارية وأخلاقية لمن تسببوا في الضرر لهؤلاء الخريجين الذين يطلبون وظائف يفترض أنها بالفعل حسب النظام، وليس من مسوغ لهذه الإطالة التي تتدمر فيها طاقة هؤلاء الشباب ويفقدون الكثير من معنوياتهم وهم يلهثون ويتعبون في متابعة أمل لا ينبغي أن يكون بهذا السوء الإجرائي ليتحقق، فالبينات واضحة والاستحقاق لا غشاوة عليه، وهناك توجيهات واضحة، فلماذا التسويف؟ يمكن أن يتم ذلك لأشهر معدودة بغية احتمال وجود ترتيبات لتعيينهم، ولكن ليس لسنوات ضارة بفكرتهم الوظيفية وحقهم الطبيعي في العمل سواء لتطوير ذواتهم أو خدمة وطنهم.

مثل هذه البيروقراطية تترتب عليها نتائج عكسية سلبية قد لا يهتم بها الإداريون الذين يتعاملون بلا مبالاة في تعيين الخريجين؛ لأننا لسنا بحاجة إلى كوادر وطنية محطمة ويائسة وفاقدة الأمل في وظائف عملوا بجد واجتهاد طوال سنوات ليبلغوها، وفي النهاية ينتهي بهم المطاف وهم يقبضون الريح ويسيرون خلف السراب والأمل الضائع، وإننا حين نضم صوتنا إليهم ليس إشفاقا عليهم أو تعاطفا معهم، وإنما هو إحساس بحقهم التائه بين إدارات تتقاذفهم رغم صدور حكم وتوجيهات واضحة بالتعيين الذي نأمل ألا يطول أكثر مما طال أو يتبخر مع يأس قاتل.