أصبح من السهل - حاليا - الحديث عن تقارب عراقي عربي، بعد وصول العبادي إلى رئاسة الوزراء، بل ربما يكون التقارب العراقي البيني قد بدأ حقيقة وليس كما كان سابقا حروفا على أوراق لا قيمة لها بوجود شخص طائفي كالمالكي.

لا أحد ينكر التأثير الكبير، بل ربما والهيمنة الإيرانية على مفاصل القرار السياسي وغير السياسي وهذا ضرب للسيادة الوطنية العراقية "العربية" في مقتل.

السعودية كانت واضحة منذ بداية الأزمة في التعامل مع العراق بعدم التدخل في الشؤون العراقية، ودعم خيار الشعب العراقي ومساعدته ما أمكن ذلك.

العراق كان ولا يزال خط الدفاع العربي الأول في كل صراع فارسي عربي منذ أيام الأكاسرة وحتى أيامنا هذه زمن روحاني وخامنئي وأحمدي نجاد، مرورا بالحروب العبثية لصدام.

أميركا لم تقصر منذ البداية، فقد تبرعت بإغراء صدام بغزو الكويت ثم استفزاز العالم العربي مرورا بغزو العراق بحجة إزاحة صدام، وانتهاء بتسليم مفاتيح مدينة بغداد الرشيد إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية وأعوانه من سفهاء العرب.

السعودية استشعرت خطر التدخل الإيراني منذ البداية وقام الملوك السعوديون، فهد "رحمه الله"، وخادم الحرمين الملك عبدالله "يحفظه الله" بدق نواقيس الخطر والتحذير من تدخلات طهران في الشؤون العربية، خاصة في العراق ولبنان ثم اليمن في مرحلة لاحقة.

حين كان المالكي على سدة الحكم لم يكن من الممكن الحديث بجدية حول هكذا تقارب واتفاقات وتعاون، فقد كان معاديا للسعودية بشكل سافر، وتصريحاته دائما ما تعكس سوء النية والطوية والحقد على المملكة وقادتها وشعبها، فضلا عن عمالته الخالصة لإيران.

الشحن الطائفي الذي كان يقوم به رئيس الوزراء السابق أوصل العراق إلى ما وصل إليه من حرب أهلية وقيام تنظيمات إرهابية بنشاطات متعددة وصلت إلى خارج حدود العراق.

الشخصية الكرتونية التي ابتكرها المالكي كانت مثار سخرية العارفين ببواطن الأمور وأقصد "البطاط" ذلك المهرج الذي كان يظهر على الشاشات يتهدد ويتوعد المملكة، وتهور ذات مساء بإطلاق عدة قذائف في صحار خالية مجاورة لـ"عرعر" السعودية.

قبل مغادرة المالكي مكرها لكرسي الرئاسة كان قد تم حذف جثة المهرج البطاط بالقرب من منطقة "الجديدة" قرب عرعر من قبل مقاتلين عراقيين من أبناء القبائل المتعاطفة مع السعودية والمناهضة للمد الإيراني بمحاولة السيطرة على القرار في منطقة الخليج العربي.

قال هذا عدد من العراقيين في وسائل إعلامهم وقنواتهم التلفزيونية في أثناء حمى الصراع العرقي الذي حاول البعض عبثا تحويله من عربي إيراني، إلى مذهبي طائفي.

العراق العربي يحتاج حاليا إلى مساعدات جادة وعاجلة من المنظومة العربية الرسمية، وأن تنشط أيضا الفعاليات غير الرسمية في استعادة العراق من السيطرة الفارسية التي تحاول تغيير هوية العراق العربي، وتعبث في ثقافته وتمارس أفظع جرائم القتل، وأبشع جرائم التنكيل في الشعب العراقي الذي لا حول له ولا قوة إزاء الابتعاد العربي الرسمي، وترك الفرصة كاملة لإيران لتعبث بمقدرات العراق. ربما يكون بريمر وأزلامه أقل سوءا وتدميرا للعراق مما فعل هذا المالكي بخبث ودهاء، لكنه خسر في النهاية ورحل غير مأسوف عليه، ليبدأ فجر جديد في مسيرة تعافي العراق العربي، التي يرقبها العقل والوجدان العربي بكل اهتمام، ويرجو للعراق عودة قوية لمنظومة الدول العربية الفاعلة في المشهد السياسي الإقليمي.

أميركا قدمت العراق لإيران على طبق من ذهب، ولكن القوى العربية في الداخل العراقي استشعرت الخطر وبدأت تتقارب الرؤى والأفكار حول مفهوم عروبي واسع يشمل التنوع المذهبي في مواجهة خطر التمدد الصفوي.

رئيس وزراء العراق الحالي يبدو مختلفا، فهو يحارب الفساد، وقد أعلن عن اكتشاف أكثر من 50 ألف رقم عسكري لا وجود لهم على أرض الواقع في وزارة الدفاع، ويسعى للتقارب مع السعودية بشكل واضح، ويرسل رسائل إيجابية في تصريحاته حول العلاقة مع دول الخليج العربي.

حقق العراق عدة انتصارات على حركات الإرهاب، وساد الأمن في محافظات كثيرة، وبدأت الدولة تستعيد هيبتها، وأعتقد أن المستقبل العراقي واعد جدا بوجود السيد العبادي، لأنه يعمل باستقلالية كما يبدو منذ البداية. العراق العربي غني بموارد طبيعية هائلة، ويجري في أرضه الزراعية دجلة والفرات، والنفط في أغلب أنحاء العراق خاصة كركوك، ولم يكن ينقصه إلا رجال مخلصون يستطيعون إدارة الأزمة ليتجاوز العراق زمن صدام، وأثر قرابة النصف قرن الماضي من استبداد السلطة.

بغداد بمساعدة العواصم العربية قادرة على تجاوز مرحلة المالكي والتصالح مع الجوار العربي، الفعاليات العراقية ينبغي أن تعلو عن النعرات القبلية والصراعات الطائفية، وتفوت الفرصة على العدو الإيراني بالتدخل في الشأن العراقي العربي، والشعوب العربية تنظر إلى العراق بنفس الأهمية التي تنظر فيها إلى مصر وترغب في أن تراه مستقرا وقويا.

أعتقد أننا سنرى استقرارا أكثر في العراق، وانتصارا للمدنية وحقوق الإنسان، متخذا من نظام الدولة الفيدرالي نموذجا رائعا للتعايش العربي الكردي.