"فيا راوي الشوق ذات مساء
تحدث فبالصمت بعض بكاء
عن امرأة قُدِّمَتْ في النساء
حكت شوقها لمزيد غناء
إليك حكايتها ألف ياء"
وأنا أبدأ بالكتابة في هذا الموضوع كان الخبر الذي استقر على شاشة الجوال هو وفاة وإصابة تسع وعشرين معلمة وطالبة في حادثتين من حوادث الطرق ببلادي، وكان الحديث الأبرز عبر فضاء الإنترنت عن حوادث المعلمات المؤلمة في الأيام الماضية بعد حديث لجين على الحدود، والغريب أن القاسم المشترك الأعظم للقضيتين هو حياة ومطالب امرأة!
لفت انتباه المجتمع إعلان لجين الهذلول أنها متجهة لحدود بلدها وأنها تحمل رخصة قيادة سارية في دول مجلس التعاون. لجين بقيت على الحدود ليوم وليلة ولم يحضر من يستلمها وتم إيقافها لأسباب تتعلق بكسر النظام.
توقفت كغيري عند الإعلان أكثر مما توقفنا عند خبر التوقيف، لأنني متعاطفة مع مطالبتها.
كلنا نعلم أن المرأة تقود بالبادية، وكما هو معلوم ما حدث من تمكين للمرأة يغرينا بأن نتعامل بوعي مع مطالب لجين أو موقفها الذي يفجر قضية طال الجدال حولها وعليها، لا من باب أنها حق للمرأة بل من باب أنها حق للمجتمع الذي استنزفته العمالة التي تخدم المرأة المزعوم أنها ملكة من سائق لعامل توصيل الطلبات للمنازل وكل هؤلاء يشكلون عبئا على اقتصادنا.
نعاني في العاصمة الرياض ازدحاما مروريا خانقا خاصة في أوقات الذروة، وهي التي نتجه فيها للعمل والمدارس، وامتدت الذروة على مساحة اليوم لنجد الاختناق لا ينفك يلاحقنا من السادسة فجرا حتى الثانية عشرة ليلا ما عدا فترات بسيطة جدا، وكنا نظن ما يحدث تطورا طبيعيا لازدياد عدد السكان، لكن الحملة الأمنية الأخيرة العام الماضي التي تم فيها ترحيل عدد من المخالفين وتصحيح أوضاع آخرين كشفت عن هدوء غير مسبوق في شوارع الرياض وكأننا عدنا بالزمن خمسة عشر عاما!
ما الذي كشفته الحملة تلك يا ترى؟! كشفت أن شوارعنا مزدحمة بالمخالفين لنظام الإقامة والعمل، الذين يقودون السيارات ويأخذون مبالغ كبيرة للعمل في توصيل المشاوير تصل إلى نسبة تفوق وربما تضاعف بدل النقل الذي تحصل عليه الموظفة، وترهق ميزانيات من له أبناء وبنات ولا يوجد لديه سائق خاص يحملهم! وكشفت الحملة أيضا أنه لا توجد ملاحقة حقيقية لمن لا يحملون رخصا للقيادة فعدا قيادة طلاب الثانوي والمتوسط وهم تحت سن السماح بالرخص والتصريح أصلا، هناك السائقون المخالفون الذين لو تمت ملاحقتهم لانتهت أزمة المرور الخانقة للأبد ولتحسن وضع شوارعنا!
من المضحك أن يحضر السائق الخاص ويحصل على إقامة ويبدأ بالتدرب على القيادة في الشارع وتعريض الأرواح للخطر، ولا يضطر لاستخراج رخصة ويغادر لبلده ويأتي مواطن آخر له يفعل كما فعل! حكت إحدى الصديقات أن زوجها السعودي وقد تجاوز الأربعين وربما وصل الخمسين، يقود يوميا سيارته ولم يسبق له استخراج رخصة قيادة في حياته!
قيادة الطفل أو الرجل دون رخصة تماثل تماما قيادة المرأة، لكن الوضع القائم لا يرفض ولا يلاحق إلا النساء، والملاحقة ليست لأن النظام لا يسمح لها فقط، بل يشدد عليها فترى الطفل يقود وتتركه، وترى المرأة وتسارع للإبلاغ عنها، أليس هذا غريبا جدا جدا أن يعبر الأجنبي الحدود ويقود دون رخصة وتبقى لجين دون عبور؟
المعارضون وأشرسهم ثلاثة: المرأة التي ترى أن القيادة مرعبة وخطر عليها وتركن لسائق أو زوج أو أخ، وهذه لا أحد يصادر حقها في استقدام السائق أو الركون لزوج أو أخ لو قادت امرأة لا تجد من يوصلها كما تجد ولا تعاني من حرمان مادي أو أسري!
والمعارض الثاني هو من يخشى الفساد والانحلال لو ساقت المرأة، وهو لا يبعد كثيرا عمن يرى أن السيارة تسبب العقم للنساء! لهذا المعارض أقول لا يجوز أن تربط الدين والأخلاق بقيادة السيارة، وانظر إلى ما يحدث في بيوتنا من جرائم بين بعض السائقين وبعض العاملات، ألا ترى في هذا خطرا على أخلاقنا وقيمنا أن ندخل بيوتنا رجالا من شتى أقطار الأرض دون ضابط أخلاقي أو ثقافي إلا كلمة "الجنس ذكر" وقدرته على إمساك مقود السيارة؟!
المعارض الثالث وهو عنيف أيضا، المراهق الذي يدافع بشراسة عن صفة الرجولة التي أضفاها عليه مقود السيارة، ويرى في المرأة تهديدا لرجولته مع رفضه القيام بمتطلبات نساء بيته الأساسية والانغلاق على جهازه الجوال محاربا حقهن بالحياة الكريمة بعبارة "لن تقودي"!
ومن يقول إن لجين أجلت الحسم في قضية القيادة أقول الموضوع ليس له زمن محدد ليؤجل وما قامت به لفت الأنظار لمطلب نشاركها فيه. أخيرا رحم الله دماء معلمات وطالبات سالت على خطوطنا الطويلة، لأن قدرهن الركون إلى مجرد ذكر مهما كانت قدراته العقلية أو مهاراته في القيادة معدومة!