لا أعتقد أن القائمين على كرسي الأمير خالد الفيصل لتأصيل منهج الاعتدال السعودي قد فهموا أن الهدف من المنحة البحثية لهذا الكرسي الجوهري هو نفي الغلو والحدة والتطرف على واقعنا الاجتماعي الحي، وإذا كانوا قد هضموا فكرة الكرسي على هذا النحو فإنهم إنما يبثون بكل صراحة رسالة ملتبسة. هناك فارق بدهي أبجدي بين فعلي الحاضر والماضي ولعله لهذا اختار صاحب الكرسي مفردة ـ تأصيل ـ كدلالة على الجذر والجذع والأصل. دلالات الفطرة والتكوين لا واقع الأغصان والأوراق والثمار من تلك الشجرة. ولولا أن لدينا مغالاة وتطرفا لا يمكن إنكارهما لما احتجنا إلى مثل هذه الفكرة ولو أننا ـ اليوم ـ وسطيون لما احتجنا إلى هذه الكثافة في استخدام مفردة ـ الاعتدال ـ تماماً مثلما شاعت بيننا بشكل فارط مفردة

ـ الأنسولين ـ لأن في وسطنا أيضاً نسبة مرتفعة جداً، جداً لداء السكر.

أنا أرفض ظاهرة إنكار الظواهر مثلما لديدننا في رفض وجود الأمراض والعلل. نحن حملنا وورثنا منهج اعتدال ولكنه فعل ماضٍ لا يعني أننا اليوم ـ نحمل ـ وأننا غداً ـ سنورث ـ للأجيال من بعدنا ذات

ـ الحمْل ـ الماضي وذات الإرث. نحن ننكر كل مكامن العلل. نطبطب على أن كل شيء مأمون وسليم وصحي. المدارس والجامعات والمعسكرات والمخيمات والمناهج والكتب المتداولة. الغلو والتطرف لم يهبطا إلينا عبر سحابة. وإذا كانت الحفلة مجرد نفي وإنكار فبالإمكان بكل بساطة أن تجتمع ـ النخب ـ في مجرد بيان استعراضي نعلن فيه خلو موسمنا الفكري والثقافي ومشهدنا الاجتماعي من الأمراض الفكرية المعدية والفيروسات الوبائية تماماً مثلما تفعل وزارة الصحة مع انتهاء كل تجمع أو موسم. نريد من المنحة البحثية أن تكون اختباراً للسعودي على كرسي الاعتدال وأن تدرس كل محاضن الغلو الديني والفكري وأن تتلمس هذه البؤر وأن تعلن رأيها بكل شجاعة. أن تتحدث من أجل التاريخ حتى لا تحمل الأجيال القادمة وزر إرثنا الثقيل لهم في المستقبل. ومع بالغ تقديري واحترامي فإن جامعة الملك عبدالعزيز ـ وقد أكون مخطئاً بالتغييب ـ لم تحمل من قبل مشروعاً اجتماعياً أو ثقافياً جوهرياً جباراً في خدمة المجتمع بالتحديد، وهذا لا ينفي ريادتها الأكاديمية، ومن هنا فإن المنحة الجديدة التي أسندت إليها قد تهدي لها فرصة نادرة لأن تكون في قلب الجمهور ومعه في واحدة من أخطر أمراض القرن الحديث ومعضلاته الفكرية. نفترض في الجامعة وهيئة الكرسي أن تفجرا المفاجأة وأن تعلقا الجرس وأن تقولا حصيلة أبحاثهما في كل البؤر والمحاضن بالشجاعة التي يجب أن تكون عليها جامعة.