قبل نحو أسبوع، وبعد سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة اليمنية صنعاء في الحادي والعشرين من سبتمبر الماضي، وفد إلى ساحة المعركة بين الحوثيين وتنظيم القاعدة، تنظيم جهادي جديد أطلق على نفسه اسم "أنصار الدولة الإسلامية في جزيرة العرب"، وهو تنظيم اجتذب اهتماماً إعلامياً كبيراً في الساحة اليمنية، تماهياً مع تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف اصطلاحاً باسم "داعش". وجاء انضمام "داعش اليمني" إلى ساحة المعركة الدائرة بين جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة، الحاضر الأكبر منذ أكثر من 15 عاماً في الساحة اليمنية، ليؤكد من جديد على خطورة الأوضاع في اليمن وتحول أراضيها إلى ساحة مفتوحة لمواجهات بين التنظيمات الإسلامية، التي تحاول القضاء على النظام القائم في اليمن، كل بطريقته وأسلوبه.
تهديد ووعيد
توعد التنظيم الجديد "أنصار الدولة الإسلامية في جزيرة العرب" جماعة الحوثي، الموالية لإيران، بالذبح، متهماً الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بالتواطؤ والتخاذل لتسليم العاصمة صنعاء إلى الحوثيين؛ في خطوة اعتبرها مراقبون بمثابة فتح باب لصراعات طائفية طويلة في الأراضي اليمنية.
التنظيم أصدر بياناً بعد يوم من هجوم انتحاري استهدف تجمعاً لجماعة الحوثي في منطقة التحرير في العاصمة صنعاء وأدى إلى مقتل نحو 50 شخصاً وجرح ما يزيد عن 130 آخرين، هدد فيه الجماعة - أي الحوثيين - بالقتال حتى آخر رمق. وقال البيان مخاطباً الحوثيين "اعلموا أن دمنا عزيزٌ وغال، ولن يضيع سدًى بعد اليوم، وسوف نقابل بقوة الله أي تعدٍّ عليها بأقسى وأشد وأنكى أضعاف الرد الذي ليس له حدود". ومضى البيان متوعداً أتباع الحوثي بـ"الذبح" و"جز الأعناق". وتؤكد اللهجة التي يتحدث بها التنظيم، والصيغة التي جاءت عليها كلماته، أنه، وإن كان قد اختلف تنظيمياً عن "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب"، إلا أن منبعهما واحد، ومنهجهما مشترك.
وانتقد البيان الرئيس هادي بسبب سقوط صنعاء، وطالب أهل السنة بالابتعاد عن المناطق التي يوجد فيها الحوثيون والجيش اليمني على السواء، وعدم السكن أو المرور فيها، قائلاً إنها "أهداف مشروعة".
طرفا كماشة
ويبدو من خلال هذه التطورات أن "أنصار الدولة الإسلامية في جزيرة العرب" يريد أن يكون له حضور كبير في الساحة اليمنية، باعتباره نداً لجماعة الحوثي، وهو تنظيم ترى مصادر مقربة من الجماعات الإسلامية أنه قريب من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ويتلقى أعضاؤه ومعظمهم من اليمنيين، تدريباتهم على الحدود السورية التركية، بل ويحظى بدعم من بعض الأطراف، في إطار الصراع بين مشروعي "داعش" والمناهضين للتنظيم، الذي يحاول أن يتمدد ويصبح حاضراً في أكثر من منطقة عربية.
وتشير الدلائل على الأرض إلى أن استيلاء المتمردين على مقاليد الأمور في بعض مدن البلاد، وخاصة المناطق الشمالية منها، سيفتح أبواباً للصراعات بين الجماعة والجماعات المناهضة لها، وتتوزع هذه الجماعات على معظم المناطق السنية في البلاد.
وتقود 3 مجموعات المواجهات ضد جماعة الحوثي، الأولى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وهذا التنظيم له امتدادات على مختلف مناطق البلاد، بما فيها المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، وتعتبر مغلقة بالنسبة له، وقد نفذ تنظيم القاعدة عدداً من العمليات ضد الجماعة، مما يؤكد قدرة التنظيم على اختراق هذه المناطق، ووجود خلايا نائمة تابعة له.
وتتمثل المجموعة الثانية في جماعة "أنصار الشريعة"، ومعاقل هذه المجموعة في المناطق الجنوبية من البلاد، خاصة أبين، وشبوة، وحضرموت، ولحج وأبين، وهذه المجموعة تعد امتداداً لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتشكل خطراً، ليس فقط على جماعة الحوثي، بل وعلى النظام بأسره. ويأتي التنظيم الجديد "أنصار الدولة الإسلامية في جزيرة العرب" ضمن المجموعة الثالثة من هذه المجموعات التي بدأت تتعاطى مع الشأن اليمني، تماشياً مع تنظيم الدولة الإسلامية في كل من العراق والشام المعروف بـ"داعش".
ويرى مراقبون أن تنظيم أنصار الدولة الإسلامية في جزيرة العرب يمكن له أن يلعب دوراً في ضرب حصار على الجماعة، مستغلاً التقارب الفكري والمنهجي مع تنظيم القاعدة.
تسلل المتشددين
وبالنظر إلى خارطة الصراع الملتهب في اليمن، يمكن توقع ما ستؤول إليه المواجهات الدامية بين جماعة الحوثي والتنظيم الجديد، الذي لا شك سيبدأ بنسج تحالفات مع نظرائه، لفتح ساحة جديدة من المعارك، وخاصة في المناطق الشمالية من البلاد، لاسيما أن عدداً من المتشددين من بلاد الشام كان قد بدأ بالتسلل إلى مناطق عدة في اليمن، وأكد عدد من المسؤولين اليمنيين أن بعض مقاتلي "داعش" نجحوا في التسلل إلى بعض الموانئ اليمنية، قبل الالتحام مع عناصر تابعة لتنظيم القاعدة وخوض معارك ضد الجيش، وخاصة في محافظة حضرموت.
ويبدو أن تنظيم أنصار الدولة الإسلامية في جزيرة العرب يريد أن يكمل الطوق المفروض على جماعة الحوثي من جهة الشمال، بهدف توسيع ساحة المواجهات، وعدم اقتصارها فقط على المناطق الجنوبية من البلاد.
وتوفر الجماعة للتنظيمات الجهادية فرصة الانتشار والتمدد، خاصة مع تصاعد وارتفاع سقف الخطاب التحريضي ضد السنة، والرد الذي تقوم به التنظيمات الجهادية للانتقام من جماعة الحوثي، وقد تجسد ذلك في العملية التي أقدم عليها تنظيم "أنصار الشريعة" عندما أقدم في التاسع من شهر أغسطس الماضي على اختطاف عدد من الجنود ينتمون إلى المناطق الشمالية وجز رؤوس بعضهم بحجة أنهم ينتمون إلى جماعة الحوثي.
الأمر نفسه تكرر في مناطق مواجهات أخرى، وخاصة في صعدة، وهي المعقل الرئيسي لجماعة الحوثي الذي تنطلق منه في غزواتها المسلحة ضد قوات الجيش وبقية خصومها، إضافة إلى الجوف وأخيراً في العاصمة صنعاء، حيث تبنى التنظيم العملية الانتحارية التي أودت بحياة 50 شخصاً، وهو اختراق أمني كبير لشبكة الحوثي الأمنية، التي طالما ظل يتفاخر بها منذ دخوله العاصمة قبل عدة أسابيع.
منزلق الطائفية
ويرى الأكاديمي العسكري اليمني العميد عبدالكريم أحمد الصريمي أن التهديدات التي أطلقها ما يسمى "أنصار الدولة الإسلامية في جزيرة العرب" باستهداف ومحاربة جماعة الحوثي، تمثِّل تطوراً متوقعاً، بسبب حالة التكتل والتعصب ذي الطابع الطائفي التي فرضها تمادي الحوثيين في التمدد والتوسع واستخدام قوة السلاح والعنف لاجتياح العديد من المناطق والمدن اليمنية بالتوازي مع الاستقطاب والترويج للفكر والتوجه العقائدي الذي تتبناه الجماعة. وقال الصريمي في تصريح إلى "الوطن"، "ما تردد عن تحالف قبيلة مذحج - ثالث أكبر القبائل اليمنية - مع تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب في محافظة البيضاء لمواجهة الحوثيين والتصدي لمحاولتهم السيطرة على المحافظة يندرج في ذات السياق من التكتلات ذات الطابع السني التي بدأت في الظهور وهي بصدد التوسع، الأمر الذي قد يدخل اليمن في أتون صراع طائفي مقيت على غرار ما يحدث في العراق وسورية".
وحذر الصريمي من تزايد احتمالات انزلاق اليمن إلى منحدر الصراع الطائفي جراء استمرار الحوثيين في التوسع وتكريس مبدأ القوة، وأسلوب العنف في فرض سيطرتهم على المناطق والمدن اليمنية، مشيراً إلى أن اليمن عرف على امتداد تاريخه القديم والمعاصر بالتعايش السلمي بين المذاهب، ولم تنشأ صراعات ذات طابع مذهبي أو طائفي، وأضاف "كل ما يحدث يعزز الاعتقاد بأن الحوثيين لا يمتلكون أي أجندة وطنية، وأنهم ينفذون مخططاً إيرانياً يهدف إلى زعزعة أمن واستقرار اليمن ودول الجوار الخليجي، من خلال إشعال فتيل صراع طائفي بهدف تحقيق غايات توسعية غير مشروعة".
احتشاد المتطرفين
من جهته أشار الخبير في شؤون مكافحة الإرهاب، العقيد عبدالرزاق حسين الملصي في تصريح إلى "الوطن" إلى أن البيان الصادر عما يسمى تنظيم "أنصار الدولة الإسلامية في جزيرة العرب" وما تضمنه من تهديدات صريحة للحوثيين يمثل ناقوس خطر ينذر بتدهور الأوضاع في اليمن صوب منحدر الصراع الطائفي الوشيك.
وقال "الحوثيون يواجهون منذ دخولهم القسري للعاصمة صنعاء وسيطرتهم عليها، تهديدات غير مسبوقة من قبل تنظيم القاعدة الذي نفذ خلال الشهر الأخير فقط عدة هجمات وعمليات استهداف متعاقبة ضد مواقع تمركز تجمعات مسلحي جماعة الحوثي، سواء في العاصمة صنعاء أو الجوف أو مأرب أو صعدة، ومؤخراً في مدينة البيضاء. وإذا لم يتراجع الحوثيون وينسحبوا فعلياً من العاصمة صنعاء وعمران وكافة المناطق التي يوجدون فيها كميليشيات مسلحة ويعودوا أدراجهم إلى مناطقهم ونجوعهم في صعدة، فإن اليمن بصدد الدخول في أتون صراع طائفي، فما يقومون به حالياً من عمليات تمدد وتوسع تمثل استفزازاً حاداً للكثير من القبائل والمكونات المجتمعية اليمنية، وهذه بدورها لن يتردد معظمها في حمل السلاح والدخول في تحالفات، حتى مع تنظيم القاعدة لمواجهة هذه الجماعة المارقة والمتمردة التي تسعى إلى فرض فكرها العقائدي الشيعي في بيئة شعبية واجتماعية سنية الطابع والتوجه".
ولفت الملصي إلى أن اليمن يمر بظروف عصيبة جراء المتغيرات الطارئة التي تشهدها موازين القوى في البلاد عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة، وسعيهم إلى فرض سيطرتهم بقوة السلاح على مناطق ومدن جديدة كالحديدة والبيضاء ومأرب، وهو ما لن يقابل بالاستسلام والخنوع كما حدث في العاصمة صنعاء، ولكن بمقاومة شرسة من قبل المكونات القبلية التي لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة نزعة التوسع الحوثية.
جحيم مفتوح
ومهما اختلفت تفسيرات المشهد المحتقن، إلا أنه من الثابت أن لا شيء يمكن أن يوقف عملية الثأر والانتقام بين جماعة الحوثي وتنظيم "القاعدة وأخواته"، ويبدو أن دخول الحوثيين إلى العاصمة صنعاء، فتح شهية الطرف الآخر لنقل المعركة من الجنوب تحت حجة "حماية السُنّة" إلى المناطق الشمالية من البلاد. وفي التطورات الأخيرة يبدو أن المعركة ستأخذ طابعاً مذهبياً، خاصة أن الخطاب بين الطرفين ارتفعت نبرته وأخذ بعداً أكبر مما هو ظاهر بينهما خلال الأشهر الماضية، ففي الأسابيع المنصرمة لم تكن هذه النبرة حاضرة كما هي عليه اليوم.
وأكد الهجوم الذي نفذه تنظيم القاعدة بالعاصمة صنعاء، أن حضور القاعدة لم يعد محصوراً في المناطق الجنوبية من البلاد، كما أكد أن المناطق الشمالية لم تعد حكراً على جماعة الحوثيين، فقد وصل نفوذ القاعدة إلى المناطق التي تتحكم فيها الجماعة وتمارس نفوذها بشكل مطلق. ويبدو من خلال تطورات الأحداث الأخيرة أن اليمن سيتحول بأكمله إلى ساحة مواجهات مفتوحة بين جماعة الحوثي والتنظيمات المقابلة لها، ولن يكون بمقدور الحوثي الادعاء بقدرة جماعته على التحكم بمسار الأمور كما تخطط له. فهي تريد أن تكون هي صاحبة الكلمة العليا في تقرير مصير اليمن كله، وهي بذلك تغامر بقيادة البلاد إلى الانفصال والتشرذم، ذلك أن تمسكها بخيار حكم اليمن بمفردها، كما تخطط له، لن يكون الآخرون والفاعلون في البلد على استعداد لقبوله.
وربما يكون بمقدور جماعة الحوثي تنفيذ مشروعها، لكنها لن تستطيع أخذ الجميع تحت جلبابها، فهي تدرك أنها لن تكون قادرة على هذا الحمل الثقيل، ومن هذا المنظور سيكون عليها الالتفات بشكل جدي إلى الحضور الكبير لتنظيمات القاعدة وأنصار الشريعة وأخيراً أنصار الدولة الإسلامية في جزيرة العرب، وهذه التنظيمات، بضم جماعة الحوثي، ستفتح على اليمن أبواب جهنم، إذا لم تتمكن الحكومة من بسط نفوذها وزيادة سيطرتها الأمنية.