قد لا يبدو هناك مستقبل سياسي أو ديني أو فكري لتنظيم "داعش"، ولكن حتى نصل إلى تلك النهاية لا بد أن تتعرض المجتمعات العربية والإسلامية لخسائر كبيرة، أولها تهديد الأمن الوطني، واختراق أمنها الفكري والثقافي بتوجهات عقدية متطرفة ومنحرفة. فالخوارج رغم أنهم انتهوا إلى طريق مسدود بتطرفهم وخروجهم على السلطة والسلامة العامة للمجتمع الإسلامي إلا أنهم ذهبوا إلى مزبلة التاريخ، وأصبحوا نموذجا للفعل العنيف والمنبوذ وإقصاء الآخرين والشذوذ الذي ينتهي إلى إرهاب وإجرام قبيح لا تسنده مرجعية دينية أو اجتماعية.
ما يمكن أن نصطلح عليه بتسمية الفكر الداعشي حالة وإن كانت عابرة في مرحلتنا الحضارية الراهنة غير أننا سنعاني من تداعياتها على الواقع من خلال مخدوعين يتبعون ذلك الفكر، الذي يؤسس لعقليات قابلة للاختراق والخروج على ولي الأمر والمنظومة الاجتماعية والمرجعية الدينية، وعطفا على ذلك ننتهي إلى بذور طائفية وإرهابية يسهل معها الاقتناع بالتشويشات التي يحدثها ذلك الفكر لدى العامة والنخبة على السواء، ووعدهم بالجنة حين يقتلون ويفجرون ويدمرون ويروعون، وهي أفعال ومفردات لا تلتقي منطقا مع مقتضيات الطريق إلى الجنة التي نعرفها جميعا.
من حيث المبدأ لا يمكن أن نصل إلى نتيجة صحيحة بأفعال خاطئة، وليست النيات وحدها كافية في عرفنا البشري لبيان صحة أمر وسلوك، وإنما يصدقها العمل، فإن فعلنا حسنا يتوقع أن نحصل على حسن، والعكس، وفي الحالة الداعشية ومن واقع ما نرى ونسمع ونقرأ لا يمكن لنا سوى تقدير الأسوأ في كل حراك يقتنع بتوجهات هذا التنظيم أو حتى التعاطف معه، مما يشي بوجود بذرة يمكن أن تنبت ذلك الفكر، ولذلك لا يمكن أن نحسن الظن بهؤلاء مهما كانت مستوياتهم الفكرية والثقافية والاجتماعية والدينية والعملية، لأننا بالفعل خدعنا من قبل حين رأينا مئات المخدوعين يتجهون إلى الحور العين عبر بوابة الموت والدم تحت لواء هذا التنظيم.
ولأن الغشاوة لا تستثني أحدا فإني أمام نماذج ربما أحسنّا الظن بها وباستقامة فكرها وسلامتها العقلية، غير أنها كانت تضمر طائفية مقيتة وروحا إرهابية كامنة، على نحو ما حدث في واقعة البحريني الذي انتهى به الأمر مفجرا نفسه مع "داعش"، والذي مزّق جواز سفره البحريني ورماه ووضعه تحت قدميه، بعد أن توعّد البحرين بـ"الأشلاء التي نتقرب بها إلى الله تعالى"! وهو على ذات قياس الطبيب السعودي فيصل شامان العنزي الذي انتهى إلى أشلاء وهو يحسب أنه يحسن صنعا ويتقرّب وهو يهلك نفسه ومعها حفنة من الأبرياء الذين يطلبون الجنة أيضا، ولكنه تعامل كغيره بصورة أنانية ونرجسية بمحاولته أن يسبقهم إليها ولكن على طريقته.
أضيف إلى ذلك حالة لا تقل مشابهة عن الكمون الداعشي لدى من يعملون في مواقع حساسة. ففي 11 سبتمبر رأينا شبابا مسلما تطرف وفجّر طائرات بأبرياء على أبرياء، وقد فوجئت قبل أيام بطيار قفز على موقعي في "تويتر" ليمطرني بعجرفة طائفية لا مبرر لها، يرى فيها بحسب نصه أن: "من مسلمات الحياة أن الشيعة خلاصة نجاسة وجنون فكري لا يحترم دينا أو إنسانية، فرقة طائفية تمتهن الإجرام في كل مكان دون رادع"، ويزيد على ذلك بترحمه على الـ"داعشي" لأنه في رأيه مجاهد فجّر نفسه ليكون بوابة تحرير مطار منغ السوري!
ذلك في الواقع يجعلني أتحسس رأسي، ويثير قلقي من أن تقودني الأقدار في رحلة بقيادته تنتهي بي في مبنى أو منشأة لأنه يحلم بالجنة ويؤمن بوسيلة "داعش" إليها. فهل تراجع شركات الطيران السلامة العقلية والنفسية لطياريها بصورة مستمرة، أو يراقب أداءهم التفاعلي في المواقع الاجتماعية الذي يعكس ما يجيش في أنفسهم؟ إن لم يفعل فإننا نأمل أن يسارع ويبادر إلى ذلك حتى لا يكون التالي أمرا مشابها لما حدث في سبتمبر، ولكن في الرياض أو الدمام -لا سمح الله- بزعم التقرب إلى الله على حساب الأبرياء.