قرأت لكم في زحمة الإعلان الصحافي وقائع جلسات مؤتمر وزارة الخدمة المدنية عن تأهيل "القيادات الإدارية في المملكة". بضعة عناوين رائعة للجلسات وورش العمل وحلقات النقاش ولكن: لماذا تبقى أفكار تطوير وتأهيل القيادات الإدارية في الجهاز الحكومي بالتحديد مجرد أحبار وورق؟ السبب الأساس هو نظام الخدمة المدنية نفسه الذي مازال يعتمد على مفهوم "الترقية" التلقائية المباشرة لموظف التاسعة إلى العاشرة لمجرد الزمن، وبالقياس، كل أرقام ومراتب ووظائف الخدمة المدنية. بهذه الطريقة سيضمن لكم جهاز الخدمة المدنية حقيقة واقعية تقول إن القطاع الواسع من "القيادات الإدارية في المملكة" ستصل إلى مراتبها النهائية على مشارف الستين وقريباً من سقف التقاعد. يصلون إلى مركز القيادة في الأمتار الأخيرة من "ماراثون" الوظيفة وهنا تكمن المشكلة: لم يعد ما تبقى من عمر الوظيفة محفزاً للطموح ولا لبناء السيرة الذاتية. لم يعد ما تبقى من عمر الموظف والوظيفة كافياً للإبداع والحركة بطاقة الشاب الذي يريد أن يبني سيرته الذاتية الوظيفية، وهذا مطلب كتبته من قبل ألف مرة.
خذ مثلاً ما يلي: متوسط أعمار مديري التعليم وبحسب "المكاشفة" لموقع "قيادات" الإلكتروني يتجاوز "56" سنة. متوسط أعمار مديري الشؤون الصحية بالمملكة يقترب من الستين، وستة من أبناء مناطق هذه المملكة يتم إعادة التعاقد معهم بعد التقاعد النظامي لانتهاء فترة الخدمة.
وخلاصة القول: نحن بحاجة ماسة إلى ثورة مكتملة في نظام الخدمة المدنية مثلما نحن بحاجة إلى إعادة النظر في قوانين الخدمة المدنية حول القيادة الإدارية.
تقول الأرقام إن لدينا ما يقرب من 17 ألف مشروع تنموي متعثر، ولكن الأرقام ذاتها تبرهن السبب: لدينا ما قرب من عشرين ألف قيادي في الإدارات الحكومية المختلفة من الذين يتم إعادة التمديد لهم أو الاستثناء لوظائفهم بعد التقاعد، وهذه كارثة إدارية تنموية لأنها تعني في المقام الأول اهتزاز الثقة في آلاف الشباب من الجيل التقني الجديد الذي يستطيع شغل هذه المناصب بكفاءة ورؤية عصرية مدهشة.
أخيراً.. قرأت وقائع وعناوين جلسات مؤتمر الخدمة المدنية عن "القيادات".. وخلصت إلى المثل الشعبي: "أين أذنك يا حبشي...".