الأطفال السعداء هم الأطفال الذين يلعبون. هذه حقيقة يتذكرها كل منا في طفولته ويراها اليوم في من حوله من الأطفال. لكن الناس بالتأكيد تختلف في فهمها لقيمة ومعنى اللعب عند الأطفال. بحسب أحد هذه الأفهام الأطفال يلعبون لأن ليس لديهم شيء آخر يفعلونه. بمعنى أن اللعب نتيجة طبيعية لنقص خبرات واهتمامات الأطفال. اللعب هنا علامة على الفراغ. في المقابل هناك فهم يرى أن اللعب هو الطريقة التي يرى بها ويتعامل من خلالها الطفل مع ما حوله. اللعب بحسب هذا الفهم هو الطريقة المفضلة لدى الأطفال للعيش. من خلالها يتعلمون ومن خلالها يعبرون عن أنفسهم. بحسب هذه التصورات يمكن أن تختلف نظرتنا للطفولة واللعب والحقوق التي يمكن أن نحفظها للأطفال.

سأبدأ هنا بمحاولة فهم اللعب. عادة ما يفرق الأهالي بين اللعب والجد. أو اللعب والعمل. هناك دراسة وهناك لعب. الطفل اللعّاب لا يدرس. ما الفرق بين اللعب والعمل؟ بحسب جون ديوي لا يوجد تعارض بين اللعب والعمل. هما درجتان على خط واحدة. عادة ما يميّز العمل بأن له هدفا وأن اللعب ليس له هدف. حين يقوم الطفل بحل واجباته فهذا السلوك يربط لدى الناس أن هذا الطفل واع بالهدف الأكبر من حل الواجب وهو النجاح في المدرسة والحصول على شهادة ومن ثم الحصول على وظيفة. في المقابل فإن الطفل الذي يلعب لا يتم وضع سلوكه ضمن سلسلة من الأهداف التي تعطي لذلك السلوك معنى وقيمة. يعترض ديوي على هذه الصورة لأن اللعب أيضا يحتوي على أهداف. بمعنى أن اللعب هو سلوك عقلاني يربط فيه الطفل غاياته بالوسائل التي يمتلكها. هناك هدف يقود سلوك الطفل أثناء اللعب. على سبيل المثال الطفل الذي يلعب الكرة لديه أهداف عدة منها: تسجيل هدف، إظهار مهاراته، الحصول على متعة الجري والمنافسة، الوجود مع الآخرين والشعور بالعلاقات الاجتماعية، اختبار قدراته بمقارنتها مع شخصيات شاهدها من قبل، التعرف على ذاته من خلال التعرف على قدراته وتقييم الناس لها، استجابة للطاقة الهائلة في جسده وإخراجها بطريقة ممتعة. هذه فقط مجموعة من الأهداف التي يمكن أن ينطوي عليها اللعب. لذا فإن الفكرة أن اللعب بدون هدف أو أن اللعب فقط للمتعة هو أمر لا يصف الواقع ولا التجربة التي يمر بها الأطفال. الفرق بين اللعب والعمل بحسب ديوي، هو فرق في الدرجة. هدف اللعب مباشر وقريب وهدف العمل بعيد مستقبلي. هذا من ناحية الهدف من السلوك ولكن يمكن أن نلاحظ أن اللعب يناسب أكثر طبيعة الطفل. اللعب حركي وسريع ويحتوي على ابتكار واختراع، وتترافق فيه الحركة الجسدية مع الحركة الذهنية. في اللعب نصل إلى مراحل معقدة من التفكير الإبداعي مع متعة هائلة لا نجدها في غيره. برغم المجهود الهائل في اللعب لا نشعر بضغط هذا المجهود. في المقابل العمل يبدو في كثير من الأحيان ضد طبيعتنا لذلك نرغم أنفسنا على القيام به. رغم مجهوده البسيط إلا أن تكلفته الذهنية علينا عالية. بعد العمل نحتاج التعافي بالترفيه، بينما اللعب عافية في حد ذاته.

من الأفكار التي يمكن استنتاجها من الصورة السابقة أن اللعب ليس ضدا للعمل. بمعنى أننا يمكن أن نحقق أهداف العمل من خلال اللعب. فقط نحتاج الوعي الذي يجعلنا نختار اللعب المناسب والأكثر متعة وفائدة. التعلّم من خلال اللعب من نتائج التصور السابق. باللعب نحصل على أعلى تركيز واندماج من الطفل ولهذا فإنه سيكون من المفيد جدا للطفل أن يدمج العمل والتعليم مع اللعب. بمعنى أن تكون المهارات التي نسعى إلى تعليمها للطفل جزءا من الألعاب التي يمارسها وإذا أحب الطفل اللعبة فإنه سيحصل على المهارات المطلوبة بيسر وسرعة.

هذه الصورة يفترض أن لا تدع سببا لمعارضة اللعب. بمعنى أنه إذا كانت الحجة أن اللعب مضيعة للوقت وأنه سيضر بالطفل في المستقبل فإن الصورة السابقة تقول إن اللعب يمكن أن يحتوي الأهداف البعيدة التي نحرص عليها وسيقدم لنا نتائج أفضل وأسرع. بمعنى أن الطفل سيتعلم الكثير من خلال اللعب وبطريقة فعالة. هذا أيضا مرتبط بالتربية التي نريد أن نربي الطفل عليها. المطلوب هنا هو عملية متبادلة: تعديل اللعب قليلا ليحتوي على الأهداف بعيدة المدى التي نحرص على إيصالها للطفل وتعديل تلك الأهداف التي نريدها لتتوافق مع الطفولة. التعارض سيحصل حين تكون أهدافنا تتعارض مع الطفولة. لنفكر هنا بهذا الهدف "كن رجلا"، "كوني امرأة" هذا الهدف لا يمكن تحقيقه بالمعادلة السابقة، لذا فهو من أعنف الأهداف التي يمكن أن تتضمنها التربية. من الأفكار المشكلة التي تتضمنها الأهداف السابقة أنها لا ترى فقط أن اللعب بلا فائدة، بل إنها ترى أن الرجال الكبار والنساء الكبار تجاوزوا مرحلة اللعب ويفترض أن لا يلعبوا. هذا وصف غير دقيق أيضا للكبار. الكبار الذين يلعبون هم الكبار السعداء. ليست هذه العبارة بعيدة عن الصواب متى ما فهمنا قيمة اللعب في حياة الإنسان.

في المقالة القادمة، سأحاول أن أناقش أثر الرؤية السابقة في حقوق الأطفال وهل يمكن أن نستنتج منها أن اللعب حق من حقوق الطفل. كلمة حق هنا لها معان قانونية وسياسية. إذا كان اللعب حقا من حقوق الأطفال، فإن جميع التشريعات السياسية والتربوية والجنائية يجب أن تلتزم به. أي مشروع قانون يتعارض مع حق اللعب يجب تعديله، القوانين التي تنظم التربية والتعليم يجب أن تراجع لتكون متوافقة مع حق الطفل في اللعب. حرمان الطفل من اللعب يفترض أن يدخل ضمن سلوكيات الاعتداء على الطفل والإهمال التي يجرمها القانون.