في 15 نوفمبر الماضي، استضافت مدينة (بريزبن) الأسترالية القمة التاسعة لمجموعة العشرين، ولم يحدث منذ القمة الأولى للمجموعة، التي عُقدت في واشنطن في نوفمبر 2008 أن اجتمع مثل هذا العدد من كبار قادة دول المجموعة. وهذا الحضور المكثف لكبار القادة شهادة لقدرة أستراليا على الإقناع، بلا شك، ولكنه كذلك مؤشر على قناعة هذه الدول بتردّي الأوضاع الاقتصادية الدولية والحاجة إلى تنسيق الجهود لاستعادة النمو الاقتصادي.
فما هو دور المملكة في ذلك؟ وهل لقرارات القمة أهمية خاصة لها؟ شارك الأمير سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد والنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، ووزير الدفاع، في القمة، وسط ترحيب حار من قبل الدولة المضيفة، الحريصة على تطوير علاقاتها مع المملكة ودول مجلس التعاون. وبالإضافة إلى لقائه برئيس الوزراء الأسترالي، عقد ولي العهد اجتماعات ثنائية مع الرئيس الفرنسي هولاند، والمستشارة الألمانية ميركل، ورئيس الوزراء الهندي مودي، والرئيسة الكورية بارك، ورئيس الوزراء السنغافوري لونج، ورئيس الوزراء البريطاني كاميرون.
وفي كلمته أمام القمة، أثار ولي العهد قضايا الشرق الأوسط، مؤكداً على العلاقة الوثيقة بين تحقيق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة وصحة الاقتصاد العالمي. فاعتداءات إسرائيل المتكررة، وجرائم النظام السوري المتزايدة، والفظائع التي يرتكبها تنظيم داعش كلها حدت من قدرة هذه المنطقة على المساهمة إيجابيا في الاقتصاد الدولي، حيث تشكل مآسيها المتعددة، التي لا تنتهي، عبئا اقتصاديا على موارد المنطقة وقدراتها البشرية، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية الكبرى التي يتكبدها الاقتصاد العالمي من جَرّائها.
حينما تأسست مجموعة العشرين في 1999 لم تحظَ باهتمام كبير، ولكن ذلك تغيّر خلال الأزمة المالية العالمية، حين لجأت إليها الدول الكبرى لاستكشاف سبل الخروج من الركود الاقتصادي واستعادة التوازن في الاقتصاد العالمي. وبدأت المجموعة للمرة الأولى في الاجتماع على مستوى القمة في نوفمبر 2008، في اجتماع برئاسة الرئيس الأميركي جورج بوش حضره حينها الملك عبدالله خادم الحرمين الشريفين.
ولكن جذوة الاهتمام بالمجموعة خبت بعد ذلك مرة أخرى، خاصة في ضوء فشل الدول المعنية في تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه في إطار المجموعة، في بيانات امتازت بالإسهاب والإطالة، مع محدودية التنفيذ الفعلي.
واستباقاً لمثل هذه الانتقادات، أكد رئيس الوزراء الأسترالي قبل انعقاد القمة أهمية أن يكون لمجموعة العشرين "دور عملي في الاقتصاد العالمي."، وفي ختام القمة أعلن أنها قد خرجت بـ"نتائج حقيقية وعملية". وبالفعل كان الأمر مختلفا. فالبيان مختصر، في حدود ثلاث صفحات مع ملاحق عدة، بدل البيانات السابقة التي تجاوزت 30 صفحة في بعض السنوات، وقدمت القمة حلولاً عملية وواضحة للخروج من الركود الاقتصادي.
وحالما انفضّ الاجتماع، تم الإعلان عن تدهور الاقتصاد الياباني، عكس ما كان متوقعا. واجتمع التراجع في اليابان مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في أوروبا، وتباطؤ الاقتصاد الصيني، مما زاد الضغط على المجموعة للخروج بحلول تعالج ركود الاقتصاد الدولي.
وربما ستسهم توصيات المجموعة بالفعل في معالجة قضايا الاقتصاد العالمي، ولكن ما مدى أهميتها للمملكة العربية السعودية؟ يمكن الحديث عن أربع نقاط رئيسية وردت في بيان القمة وملحقاته، ذات أهمية خاصة للمملكة:
أولاً: نمو الاقتصاد العالمي. فمع التراجع السريع في أسعار النفط، التي انخفضت بنسبة 25% منذ يونيو 2014، بسبب تراجع الطلب على البترول، أصبحت صحة الاقتصاد العالمي مسألة حيوية لمصدري البترول. ولذلك فإن اتفاق المجموعة على مضاعفة معدلات النمو الاقتصادي من 2% إلى 4% سنويا بحلول 2018، يعني إضافة تريليوني دولار للاقتصاد العالمي. وهذا الوعد، إن تم الوفاء به، يمكن أن يُسهم في استعادة الاقتصاد العالمي لصحته، وبالتالي زيادة الطلب على البترول وتعافي أسواقه.
ثانياً: كفاءة الطاقة. نص البيان على التزام أعضاء المجموعة بزيادة كفاءة الطاقة وترشيد استخدامها بما يتوافق مع الطلب المتزايد على المصادر الناضبة للطاقة، مع تقليل تكلفتها الحقيقية. وأقرت المجموعة خطة عمل للتعاون في هذا المجال، بما في ذلك تحسين كفاءة استهلاك السيارات للطاقة، وتخفيض الانبعاثات الملوِّثة، خاصة من الشاحنات، والمباني، والعمليات الصناعية، وتوليد الكهرباء. وأكدت التزامها بترشيد الاستهلاك والتخفيض التدريجي لإعانات الطاقة التقليدية، التي تشجع على هدر الاستهلاك، مع تأكيد الحاجة إلى دعم الطبقات الفقيرة.
وهذه التوصية منسجمة مع اهتمامات المملكة الحالية، حيث أطلق (مركز السعودية لكفاءة الطاقة) حملة مكثفة لتحسين كفاءة الطاقة ومكافحة الهدر في الاستهلاك. ولذلك، فإن من الممكن للمركز أن يستفيد في تنفيذ حملته من التزام مجموعة العشرين بتحسين كفاءة الطاقة، ومن خطة العمل التي تم تبنيها في أستراليا.
ثالثاً: معالجة بطالة المرأة. اتفقت المجموعة على "تخفيض الفجوة في معدلات المشاركة الاقتصادية بين الرجال والنساء، بمعدل 25% بحلول عام 2025، مع الأخذ في الاعتبار الظروف المحلية". وتسعى هذه التوصية إلى توفير فرص عمل لأكثر من 100 مليون امرأة، مما سيُسهم في زيادة معدلات النمو الاقتصادي والمساواة، وتخفيض معدلات الفقر.
ونظراً إلى أن المملكة تواجه هذه المشكلة بشكل حادّ، حيث يبلغ معدل بطالة النساء نحو خمسة أضعاف بطالة الرجال، كما أن معدل مشاركتهن الاقتصادية من أدنى المعدلات في العالم، فإن هذا التوافق الدولي يمكن أن يسهم في معالجة هذه المشكلة المزمنة.
رابعا: مكافحة الفساد. أقرت القمة "خطة العمل لمكافحة الفساد 2015 - 2016"، وتهدف إلى توفير دعم دولي، من خلال التعاون والتنسيق، وتبادل الخبرات، وتقديم المساعدات القانونية والفنية، لتطوير نظم مكافحة الفساد، واستعادة الأموال المنهوبة، وعدم توفير ملاذات آمنة للفاسدين، وتحسين مستويات الشفافية في القطاعين العام والخاص.
ونظراً إلى أن المملكة تشن حاليا حملة، هي الأقوى في تاريخها، ضد الفساد، فإن هذه الأدوات التي أقرتها قمة العشرين يمكن أن تحقق دعماً كبيراً لهذه الحملة التي تتطلب تضافر الجهود الدولية والوطنية لإنجاحها.