إن كان هذا مستوى الاستشعار السياسي المتقدم نحو القضايا والتطورات موضع الاهتمام والعناية الفائقة لدى رؤساء البعثات الدبلوماسية لمجموعة الدول العشر الراعية مسار التسوية السياسية، المسؤولة عن متابعة إجراءات نقل السلطة وتقويم الخطوات المتخذة على طريق تطبيق المبادرة الخليجية وآليتها الزمنية.. فلماذا لا تكون اليمن الدولة الحادية عشرة ويصبح الحال من بعضه!! ومن أشبه راعيه فما ظلم.
المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر قال مرة إن الوضع ما زال هشاً واستدرك في مقولات عديدة إشادته بما تم إنجازه والتباهي بالنموذج اليمني ما أصابنا بالقلق من عين حاسد وشح لئيم.
اليمنيون امتلؤوا حبوراً وبشراً من كلمات الإطراء وعبارات الإشادة التي تنهال عليهم من الأشقاء والأصدقاء العشرة فعلى مدى ثلاثة أعوام وبضعة أشهر ظل هؤلاء العشرة وربما التحقت بهم دولة الصومال وجنوب السودان ومنظمة حماس يقولون الشيء ذاته عن التقدم المحرز والنموذج الأمثل والحالة الاستثنائية المرشح تعميمها في سورية وجمهورية الموز وبلدان الربيع القادم الموضوعة على لائحة الفوضى الأميركية الخلاقة!
البطء وسوء الفهم سجيتان لازمتا نظمنا السياسية العربية وهما في اليمن أوضح تعبيرات السلطة لفترات طويلة لم تنقطع وشيجتها من حكومة إلى أخرى وما يزال الأمر قائماً وسيظل هذا شأننا.
نحن لا نرى المخاطر لحظة نشوئها وحين نكاشف الحاكم بملاحظاتنا عن مؤشر خطر أو نذر انهيار تنعدم حيلته لدفع الضرر وتفادي الانهيار ويختصر تدابيره على اكتشاف نظاراتنا السوداء ولذلك لا تصلنا نعمة الاستمتاع بمنجزاته.
كانت نظارات الرئيس السابق علي عبدالله صالح بيضاء صافية أثناء علاقته الوثيقة وتحالفه التاريخي مع جماعة الإخوان وتيارهم القبلي، ولا أظن استهدافه بتفجيرات جامع النهدين أثر على عدستها المقعرة البيضاء ولا نظاراتنا السوداء بارحت مكانها عند ترصد علاقته الراهنة بجماعات السلاح وأنصار الله الحوثيين..
أجل نحن نرى المخاطر من زوايا الاستثمار في نكبات الشعب ولا نتبين الحاجة إلى اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب ولا نشخص الخلل إلا بعد فوات الأوان.
هذا شأننا.. نتأخر فنتعثر.
شأننا في استحضار الذرائع لا مواجهة الانهيارات فلماذا صارت سجايانا الحصرية فيداً مباحاً لدبلوماسية الدول العشر راعية المسار الإنقاذي في جمهورية (واق الواق).
الأسبوع الماضي صدر عن أصحاب السعادة سفراء العشر بالعاصمة صنعاء بياناً احتفائياً ضافياً بمرور ثلاث سنوات على توقيع المبادرة الخليجية التي صادف ذكراها الثالثة يوم الأحد الماضي 23 نوفمبر.
وتبعاً للبيان فالمبادرة رسمت خارطة طريق وتبقي الفرصة الأفضل لليمن في مرحلته الانتقالية للوصول إلى مستقبل أفضل لجميع اليمنيين وأن الطريق الواضح لمسار التسوية تمثل بالحوار الوطني، صياغة دستور جديد، عمل استفتاء على الدستور وعقد انتخابات بالإضافة إلى عوامل أخرى مهمة مثل إعادة هيكلة القوات المسلحة اليمنية.
ولاحظ السفراء أن التقدم في إنجاز خارطة الطريق ما يزال بطيئاً ولم يغفلوا إشادتهم بالنجاحات المحرزة من مؤتمر الحوار الوطني الذي كللت أعماله بتوصيات فاقت توقعاتهم لكنهم استدركوا تلك الإشادة بالنوتة السابقة (ولكن التقدم تباطأ مرة أخرى وأدى إلى وجود فراغ سياسي وأمني واليمن يدفع ثمنه اليوم).
ترى أي الفريقين أكثر بطئاً؟.. شركاء الداخل من أطراف الصراع المشمولين بالتوقيع على المبادرة الخليجية أم الأشقاء المبادرين والأصدقاء الرعاة وفي مقدمهم الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن علاوة على الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية ذات الصلة.
البداهة أن اليمنيين أدرى بشعابهم وأولى وأقدر على حل نزاعاتهم الداخلية طالما كانت المصلحة الوطنية العليا هدفاً محتملاً من تلك الصراعات، أما وتعقيدات الأوضاع فاقت إمكانات الأطراف المحلية المتوافقة على مبادرة خارجية فإن نطاق الشراكة في تحمل المسؤولية عن أي مضاعفات سلبية تهدد أمن واستقرار وسيادة اليمن غدا قسمة بين المبادرين والرعاة ومعهما قوى التحاصص في إدارة مقاليد السلطة خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة.
أين كان هؤلاء الأفرقاء كل هذه الفترة.. ماذا كانوا يفعلون قبل ما وصفه البيان بالفراغ السياسي والأمني..؟ لماذا غضوا النظر عن الإعاقات التي اعترضت الرئيس عبدربه منصور هادي جراء ممارسات مراكز النفوذ القبلي والعسكري الموجه من الإخوان المسلمين والمسكوت عنه من أحزاب اللقاء المشترك..؟
ولماذا ترك الرئيس السابق يختلق الأزمات ويلقي حمم ثأراته في وجه الشعب وقيادته الانتقالية تارة باعتراض التسوية وطوراً بتفخيخ مناخات الاستقرار وحيناً بوضع إرث ومراكز الولاء الفردي في المؤسستين العسكرية والأمنية تحت تصرف جماعات السلاح الحوثية.
هل اعتملت تلك الإعاقات في قبو مظلم فات الأشقاء والأصدقاء ملاحظته.. أم توالت أحداثها على مرأى ومسمع هؤلاء وأولئك..؟ لماذا ترك الرئيس هادي وحيداً يعالج الخذلان العربي والدولي إلا من بيانات المساندة التي لا يستطيع ترجمتها إلى وسائل قوة في سبيل إنفاذ قرارات الهيكلة العسكرية والأمنية؟.. ولا يمتلك ولا هي – بيانات المساندة والدعم المعنوي – إمكانية تحويلها إلى مفردات ملموسة على صعيد المعضلة الاقتصادية.
رئيس انتقالي يتسلم تركة 33 عاماً من الفساد والتحلل وسط ظروف لا يحسد عليها حاكم، وهو في الوقت نفسه يخوض حرباً ضارية لمواجهة أوكار الإرهاب في غير محافظة يمنية.. وما يكاد ينتصر في هذه الحرب حتى تباغته سباع القبيلة وتمردات صالح وعلي محسن (الخفية والمعلنة) وانتفاضات الحراك الجنوبي وعبثية الميليشيات الحوثية المتحالفة مع بعض وحدات الحرس الجمهوري، فضلاً عن الكارثة الاقتصادية التي لم ترفع خناقها عنه.. رئيس هذا حاله ما الذي يتوقعه العالم منه..؟
نحن نسأل سفراء العشر الراعية لم أصمّت مسامعها عن نداءات الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي العلنية عن الدور الإيراني في اليمن؟ ظل هادي يصرخ واستمر على صراخه ولم تكن مليشيات الحوثي بلغت محافظة عمران ولا اقتحمت أبواب العاصمة صنعاء.. هل كان الرجل يتحدث عن أمر مبهم ويحاكي طريقة سلفه في استدرار العواطف واستثمار العواصف؟.. أبداً لم يكن الحال ذاك فكل خطاباته المذاعة حول الدور الإيراني تخللتها معلومات موثقة عن سلاح متطور رهن المعاينة وسفن وخبراء مقبوض عليهم قيد التحقيق، فما الذي فعله الخليج في مواجهة تدخلات يكابدها اليمن نيابة عن أشقائه..؟
ولماذا الآن..؟ يتحدث بيان سفراء الدول العشر عن فراغ سياسي وأمني..؟
هل يقصد من ذلك إضعاف الآمال المعقودة على حكومة جديدة أفضل بما لا يقاس من سابقتها ووزير دفاع مهني تعززه شعبية واسعة وتوجهات حاسمة يعتزمها الرئيس هادي ولا يعوق اتخاذها غير شبح الإحباط الاقتصادي؟
إن كان هذا مغزى الإشارة إلى الفراغ السياسي والأمني فملاذنا للإفلات من خواء السياسة يغدو ضحكاً و(شر البلية ما يضحك) إذ ليس من مفارقة بلهاء أكثر من أن نكون والرعاة العشرة على قدم المساواة في البطء والفراغ!!