على مشنقة الاستفهام يظل سؤالي القديم الجديد معلقا، وهو: أين هي الأندية الأدبية من دورها الحقيقي كحاضنة للإبداع ومستقطبة للمواهب الشابة من أجل إبرازها؟ ذلك بالضرورة يمر عبر بوابة الشفافية والممارسة الإدارية التي تتكئ على انتخاب نزيه للجمعيات العمومية لتقديم الأفضل الذين يمكنهم إدارة العملية الثقافية بما يليق بطموح وتطلعات القاعدة الثقافية، لأنه من حيث المبدأ حين يأتي الشخص بقوة دفع من الجمهور يفترض أن يكون مهيأ لتحقيق إضافات وتقديم طروحات تنتهي إلى برامج ومشاريع ثقافية معلنة مسبقا.
حين نستعيد مجريات الانتخابات التي جرت في ناديي أبها وتبوك، فلا بد من أن نتوقف عند تفاصيل لا تبدو متناسبة مع الفعل الثقافي، رغم أن أسباب ما حدث في تلك الانتخابات بسيط للغاية وقاسمه المشترك هو آلية الانتخاب، ففي حالة أدبي أبها وبعد أن تمت الطعون وتم تصعيد الأمر إلى المحكمة الإدارية وانتهى التحقيق إلى سلامة الإجراءات التي تمت أثناء عملية الانتخابات وضرورة اعتماد النتيجة نظرا إلى عدم صحة الاعتراضات، حيث كانت اعتراضات إنشائية ولا تقوم على دليل. وكانت المحكمة الإدارية في أبها أصدرت حكما ببطلان انتخابات مجلس إدارة النادي الأدبي بأبها وبطلان نتائجها، وإلغاء قرار تشكيل مجلس إدارة النادي، وهي حالة مشابهة للعصف الذي حدث في نادي تبوك الأدبي الذي انطوى على طعون واعتراضات بسبب آلية استخدام الاقتراع الإلكتروني، التي أدت إلى فقدان بعض المرشحين، بحسب حديثهم، لعدد كبير من الأصوات، وانتهوا إلى المطالبة بوقف التصويت الإلكتروني، والاعتماد على الورقي.
طعون انتخابات الأندية الأدبية سلوك ليس بالضرورة ديموقراطيا وإنما إداري لتنظيم الممارسة وإدارتها، وهي بحسب ما تمت به في عدد من الأندية الأدبية لم تكن جزءا من السلوك الانتخابي بقدر ما هي اعتراض حقيقي على آلية الانتخاب، فالتصويت الإلكتروني الذي تمت به العملية الانتخابية إذا لم يكن نزيها أو عادلا فلماذا لا نعتمد الورقي التقليدي؟ خاصة أنه على ما يبدو لم تتم تجربة أجهزة هذا التصويت في بعض الأندية وتعطلت في بعض الأحيان، وفي بعض الانتخابات التي تمت إلكترونيا جاء مجموع الأصوات أكبر من عدد الحضور!
لا نحتاج بالضرورة إلى تصحيح آلية التصويت الإلكتروني بقدر إعادة الانتخاب والاقتراع الورقي التقليدي، ذلك في تقديري يوفر شفافية أكبر، فهي ورقة صغيرة فيها اسم الشخصية المنتخبة في سرية تامة تكتب وتطوى ثم تلقى في الصندوق، ثم عند انتهاء العملية يتم الفرز بحضور اللجنة الانتخابية ويعرف الجميع من الفائزين والخاسرين، هكذا ببساطة دون احتمالية لأي خطأ فني في الأجهزة الإلكترونية أو العبث بها، وإن كانت حديثة ومتطورة، ولكنها غير مجدية وقابلة لاستنزاف أخلاقية الممارسة الانتخابية.
والأهم من ذلك هو توافق المثقفين وانحيازهم لقضايا الثقافة وليس لذواتهم التي تتضخم إلى صور ذهنية بأكبر مما يمكنهم تقديمه، ولذلك من المهم أن تنتقل انتخابات الأندية الأدبية إلى أفكار أكثر شفافية ونزاهة في الممارسة والفعل، وإذا كان هناك معترضون سابقا على التعيين ومطالبون بالانتخاب، فعليهم أن يقفوا بجانب ممارسة أكثر ضمانا للشفافية من خلال استعادة النظام التقليدي الورقي للاقتراع وليس الإلكتروني، فذلك يعني تلقائيا اقتراعا أكثر ضمانا للحصول على مؤهلين لقيادة العمل الثقافي وتلبية تطلعات الجمعيات العمومية لإداريين من اختيارهم ويمكنهم محاسبتهم بسلاسة وسهولة ويعزز كامل نزاهة العمل الثقافي.
وحتى نصل إلى ممارسة تضمن كامل الشفافية نأمل أن تمر هذه الانتخابات بسلام وألا تتكرر مشكلات الانتخابات السابقة، وأن تستعيد الأندية دورها الحقيقي في تفعيل المناخ الثقافي الحاضن للجيل الشاب واحتوائه عوضا عن إضاعة الوقت في الطعون والقضايا والمطالبة بإعادة الانتخابات لأن ذلك يجعلنا ندور حول أنفسنا ويعطل النشاط الثقافي ويسمم الأجواء الثقافية ويقدم صورة مشوهة لحالتنا الثقافية، فهل نعي حجم الضرر الذي يترتب على عدم التعامل النزيه من المثقفين تجاه قضايا الثقافة؟