بعد كل الفضائح التي نشرت في الإنترنت عن الانتهاك اللاإنساني للمساجين في السجون التي تشرف عليها أميركا وتحرص على بقائها خارج أراضيها - قام رجال ونساء محملون بالقيم الإنسانية وشرف العلم من الفائزين بجائزة نوبل ببعث رسالة إلى الرئيس الأميركي تطالبه بالاعتراف للعالم بما فعلت قواته في البشر المسجونين.

أوباما في الواقع سبق أن تحدث عن هذا التعذيب في ذكرى حادثة 11 سبتمبر هذا العام، حيث وقف أمام الصحفيين وعلى شفتيه تلك الابتسامة الحزينة ومع انحناءة بسيطة قال: لقد حدث التعذيب، ثم رفع نظره إلى الصحفيين بقوة الرجل الأميركي الذي يوقن أن ذلك لا يعني أنه ليس فخوراً بأميركيته في هذا الموقف بالذات، وأكمل: فكل ما حدث - كما تعلمون - له ما يبرره، وإن كان ضد قيمنا الأميركية التي وضعها الآباء المؤسسون.

وعد أوباما بتقرير عن كل ما حدث في سجن أبو غريب أو سجن كامب نابا في مطار بغداد، لكنه لم يقل مطلقاً هل سيخبرنا لماذا بالضبط أصبح قاسم سليماني يتجول داخل بغداد الرشيد آمناً أن لا عربي سيلقي برأس الإرهاب والطائفية من شرفته.

لم يخبرنا ماذا سنفعل بنتائج أعماله وبتلك الأرواح التي عذبها رجاله وأعوانه في سجونه، ثم أطلقها علينا وأقفل حدود أميركا عنها واعتذر لنا مذكراً: لا تنسوا فقط هذا ضد قيمنا الأميركية.

تلك أرواح كانت منها روح مروان الظفر المتهم بحادثة الأحساء، والذي جلس أمام داود الشريان في لقاء الساعة الثامنة، وتحدث بأريحية تامة، ويبدو أن كل ما قاله لم يُلق له بال ونُشر دون أن يطوله مقص الرقيب.

ودعوني قبلاً أن أتساءل عن احترافية "إم بي سي" في عرضها لقاء يحمل كل هذه الرسائل السلبية والتلميحات الطائفية الكفيلة بإشعال الخلاف المذهبي داخل الوطن؟

مروان الظفر، مراهق سعودي سُجن وعُذب في العراق لأنه ظن أن واجبه إنقاذ العراق وشعبه من أميركا وإيران، ظن أن شعب العراق الذي ضم بين أفراده رجالاً كانوا يمثلون أقوى رابع جيش في العالم يحتاج إلى مراهق، وهو بالمناسبة الجيش الذي فتّتته أميركا وسرحت رجاله واستبدلته برجال جبنوا في أول مواجهة مع داعش وفروا تاركين لباسهم العسكري.

قال مروان إنه وصل إلى المملكة قبل شهر ونصف من اللقاء، ممّا يفسر هزاله وسمارته وعاطفيته الشديدة بعد سبع سنوات قضاها في سجون العراق.

كان مروان يذكر التعذيب الجسدي الذي تعرض له ويصفه بدقة، مشيراً إلى كل عظم كُسر وكل جزء شُوّه، وهو يؤكد في كل مرة أن الأثر باقٍ ولا أحد منّا انتبه إلى أن الفتى كان يخبرنا أيضاً بأن هناك أثراً نفسياًّ باقياً، وهو الأثر الأهم الذي لم ننتبه له جميعاً.

لقد تُرك مروان الظفر لثلاث سنوات مع ذكرى هذه المعاناة التي سرقت سبع سنوات من عمره، وانتُهكت فيها إنسانيته دون أدنى مساعدة طبية أو معالجة نفسية تُصلح الخلل في روحه وتسترد طفولته التي سرقها تصديقه كأي مراهق يحاول عقله أن يكتمل، فيتصور أنه مسؤول عن إصلاح العالم، فكيف إذا أُضيفت لذلك فكرة الجهاد؟

إن الوعظ الديني لا يجدي دائماً، وفي الأثر "إن الله يُصلح بالسلطان ما لا يصلح بالقرآن"، لكن في بلادنا يظن الناس أن كل شيء قد يعتدل بمجرد المناصحة الدينية، وللأسف أن ذلك لم يؤمن به العامة فقط بل أخذ ذلك جانباً رسمياً مع تجاهل كبير لأهمية الجانب النفسي والاجتماعي.

أيضاً الرقابة في العالم الغربي الذي يعاني الجرائم يظل كل شخص سُجلت عليه ملاحظات أو ارتكب عنفاً تحت رقابة الدولة، وفي حالة مروان لا يبدو أن ذلك حدث.

إن الخارجين من السجون يجب أن يظلوا تحت رقابة الدولة في كل خطواتهم، ومثلهم العائدون من العراق أو سورية.

في حالة مروان الظفر أو من اعتدوا على مراكزنا الحدودية ممن خرجوا من برامج المناصحة يكشف عن فشلها وحاجتها إلى مراجعة شاملة، وكذلك عدم جدوى إجراءاتنا الأمنية بعد خروج هؤلاء من السجون.

مروان الظفر هو حالة تقرع جرس الإنذار وتدعونا جميعاً لإعادة مراجعة التفاصيل الحياتية لمراهقينا، ومن يتدخل بها ومن يتداخل معهم أيضاً، قبل أن يسقطوا بين يدي بلاد أو أنظمة لا تبالي بنتائج أفعالها على بلادنا ما دامت حدودها مغلقة وحدودنا مفتوحة.