لعل أجمل ما يميز الفنانة الجميلة صباح التي لوحّت لنا مودعة ولم تفارقها ابتسامتها، هو ذلك الحب الرائع والمذهل للحياة التي أعجبني ذات وصف لها بأنها تزوجت تلك الحياة بسعادة، وكان لها بالفعل لحنها وشدوها الجميل وهي تترجم ما في وجدانها من حب وهي تغني "ساعات ساعات أحب عمري وأعشق الحاجات" لعبدالرحمن الأبنودي.
مسيرة طويلة من الفن الأصيل والأنيق تقاعدت معها حنجرتها الذهبية أخيرا، لنبقى في ذاكرتنا الموسيقية والفنية بأعمالها التي يبدو من الصعب إحصاؤها وإن كان بعضهم أحصى لها نحو ثلاثة آلاف أغنية، عدا المسرحيات والأفلام، فهي كانت صاحبة طاقة فنية مذهلة وفريدة من النادر أن تتوافر في فنان أو فنانة.
في شخصية صباح قوة وطاقة رهيبة ربما لم نحسن النظر إليها ونحن نستمتع بأدائها، غناء وتمثيلا، فهي رغم كثرة إشاعات موتها كانت من القوة لتعبّر عن إرادة الحياة الكامنة فيها وهي تقول: "أنا ما بخاف من حاجتين الموت والعجز"، "أنا مش بلاستيك.. أنا عايزة أموت، يمكن هناك أحلى، ولسه فيه كتير مشوفنهاوش، بس سيبوني أموت لما يجي وقته"، "الإنسان إذا بدو يموت.. هلا هيموت، وإذا بدو يعيش هيعيش".
أذكر لها عمقها الإنساني الذي تعامل مع الفن كرسالة إنسانية وهي تبذل جهدها النبيل أيام حرب لبنان، أو حروب بلدها الذي نبتت أزهاره ووروده مرات ومرات لأن من يرويها هم أولئك الجميلون الذين تأتي من بينهم صباح وهي تغني "زي العسل.. وبتحب كل الناس".. ولكن الموت هذه المرة جاء بكل قوته وأخذها، وهذه هي الحياة كما غنتها وابتسمت في أكثر مراحلها مرارة وقسوة وألما، ولكن لا أعتقد أن هناك من ينساها لأنها رحلت بعد أن أصبحت جزءا من تاريخنا الفني ويتردد صدى غنائها في كل قلب محب للحياة والإنسانية.