أوردت إحدى صحفنا المحلية تقريرا مفاده أن جامعة الدمام أبلغت جميع الكليات التابعة لها بضرورة الالتزام بالعباءة غير الملونة، بعد أن تم ضبط طالبات يرتدين عباءات ملونة مخالفة للبيئة التعليمية بحسب تعميم أصدرته الجامعة. وأكدت إدارة كلية الآداب للطالبات خلال التعميم على أنه يتوجب على الطالبات الالتزام بالزي المعتمد في الجامعة، والتقيد بالتعليمات من دون مخالفة، لتفادي وقوع العقوبة على الطالبة وتعريضها للمساءلة وإحالتها إلى التحقيق إذا استدعى الأمر! والعباءة الرسمية - أو الشرعية كما يفضل البعض إطلاقه عليها - هي ذات اللون الأسود الفضفاضة التي لا تظهر تقسيمات الجسد، وغير القابلة للالتصاق بالملابس تحتها.
السؤال الذي يطرح نفسه على جامعة الدمام وغيرها من مؤسساتنا التعليمية وحتى غير التعليمية، هو التالي: هل البنت خلقت للعباءة؟ أم العباءة خلقت للبنت؟ إذا كانت البنت خلقت للعباءة فأفهم أمر جامعة الدمام البوليسي في تعقب مرتديات العباءات الملونة وتحذيرهن من التحقيق معهن ومساءلتهن وإيقاع العقوبة بهن، مع كوني أرفضه جملة وتفصيلا. أما إذا كانت الجامعة تقر بأن العباءة خلقت للبنت فلون عباءة البنت راجع لها وحدها وحسب ذوقها، وعليه فلا يجب أن تتدخل الجامعة بها، حيث يعتبر لون عباءة البنت جزءا من خصوصيتها ويعكس فردانية شخصيتها، مثل لون شنطتها وأقلامها وأدواتها المدرسية الأخرى. وغير المفهوم هو تبرير الجامعة لحملتها ضد العباءات الملونة كونها مخالفة للبيئة التعليمية! وحتى الآن لم أستطع فهم قرن البيئة التعليمية بلون عباءة الطالبة، خاصة كون الطالبة تخلع عباءتها بعد دخولها الجامعة، وتلبسها عند خروجها منها!
والسؤال الذي يجب طرحه كذلك على جامعة الدمام وغيرها: هل حددت أو اشترطت ألوان ملابس الطلبة أو حتى نوعها، بما يتناسب مع البيئة التعليمية المذكورة؟ خاصة كون الطالب يتحرك داخل وخارج الجامعة بالملابس وألوانها نفسها. أم أن ملابس الولد خلقت له ولم يخلق هو لها، بعكس البنت فقد خلقت لعباءتها، ولم تخلق عباءتها لها! من المعلوم بالضرورة في بديهيات عملية التعليم - ناهيك عن التربية - أن صقل شخصية المتلقي وإبراز فروقاته الشخصية عن أقرانه أساسان مهمان، يحرص عليهما ويتمسك بهما الواعون بدورهم التعليمي والتربوي. ونوع الملابس وألوانها بالنسبة للإنسان - أي إنسان سوي - تعكس فردانية شخصيته وذوقه الخاص، اللذين من خلالهما يميز نفسه شكلاً عن أقرانه، مما يعطيه القدرة على أن يتميز عن أقرانه مضمونا.
والدليل هو أن الرجال يختارون ما يشاؤون من ألوان ملابسهم وغترهم وأشمغتهم وحتى بشوتهم التي تعكس فروقاتهم الشخصية عن بعض. كما أن بعض الشباب والرجال كذلك، أخذوا يستعيرون أجزاء خاصة ما كانت معروفة إلا في الملابس النسائية، كالقيطان والزري وغيرهما، إمعاناً في التميز في الشكل. وفي مناسبات الرقص والاحتفالات الشعبية، يرتدون ملابس مزركشة وملونة، أقرب لملابس النساء منها لملابس الرجال، ولم يعترض على ذلك أحد لا من ناحية الدين ولا من ناحية العرف ناهيك عن ناحية الأخلاق، كالحط من رجولتهم.
الأهالي هم من يشتري عباءات لبناتهم، والبنات يلبسن عباءاتهن في بيوت أهلهن قبل توجههن للجامعة، كما يخلعن عباءاتهن ويعلقنهن في بيوت أهلهن كذلك عندما يعدن من الجامعة. ومن المعلوم بالضرورة أن الأهل هم أكثر حرصا من غيرهم، في تربية أبنائهم وبناتهم فهل من المعقول والمقبول أن تكون الجامعة أحرص في تربية الفتيات من أهلهن؟ فعندما تشتت الجامعة جهودها ودورها لتقوم بدور الأهل والجامعة، فهي في هذه الحالة، تصبح كالغراب، تضيع مشيتها ومشية الحمامة، هذا في حال لم تتصادم مع أهالي الفتيات، وتفتح على نفسها جبهات هي في غنى عنها. الجامعات المحترمة في جميع أنحاء العالم، والتي تؤدي دورها التعليمي والتربوي والوطني، بكل جدية وإخلاص تدفع مجتمعاتها للتقدم والتطور وتسبقها في ذلك. أما جامعة الدمام، ومن خلال مطاردتها لعباءات طالباتها فهي تتخلف عن المجتمع وتحاول سحبه للخلف، خاصة كون الأهالي من اشترى واطلع على عباءات بناتهم.
القطيع - قطيع الغنم وقطيع الأبل وجميع قطعان الغابة وحتى المتوحش منها - خلقها الله ذات ألوان مغايرة لبعض، وتتحرك مع بعض على مختلف ألوانها وأشكالها. فمن ذا الذي يتجرأ على الناس، الذين نفخ الله فيهم من روحه، ويطالبهم أن يكونوا - أقطعاً - من القطعان في الصحاري والغابات؟!
جميع جامعات العالم ومؤسساته التربوية الراقية منها والمتخلفة، والحديثة منها والعريقة، لم تحدد أو حتى تذكر أن لونا محددا للملابس يناسب البيئة التعليمية. إذا فكيف تفتقت عبقرية مسؤولي جامعة الدمام واكتشفوا دون غيرهم من المؤسسات العلمية والبحثية والتربوية في العالم، بأن اللون الأسود لا غير هو المناسب للبيئة التعليمية؟ جميع العالم يكاد يتفق على أن اللون الأسود، خاصة في الملابس، هو لون يلبس في مناسبات العزاء والكوارث لا غير. وإذا كانت عبقرية مسؤولي جامعة الدمام قد اكتشفت عكس ذلك وبأن لون الملابس السوداء هو المناسب للبيئة التعليمية فلماذا لا يطوروا فكرتهم هذه ويحولوها لبحث علمي رصين، ينالون فيه عصا السبق، وقد يحصلون على جائزة دولية للعلوم البيئية والتربوية؟ إن هذا السبق العلمي لدينا لهو نتيجة حتمية لفنتازيا هوس الخصوصية، عندما تتعلق المسألة بالمرأة.
في جامعاتنا التربوية المحترمة، ومن خلال التفريق في كيفية معاملة الطلبة بالطالبات فيها يتم خلق فروقات بينهم. حيث تنمو شخصية الطالب وتطمس شخصية الطالبة، وهذا يخلق بالتأكيد فروقات شاسعة بينهما. وهذا بالطبع يؤثر سلبا - وقد أثر سلبا - على حياة شبابنا وشاباتنا عندما يتخرجون ويتزوجون من بعض، وإحصائيات الطلاق المروعة لدينا خير دليل. كما أن أهالي الطالبات الآن يقومون بتنمية شخصيات بناتهم، بوعي منهم أو بدون وعي، كنتاج للتنمية المتسارعة التي تمر بها المملكة. والجامعات ومؤسساتنا التعليمية تحاول قمع شخصية الفتاة، وهذا كان مطلبا قديما للأهالي حافظت عليه المؤسسات التعليمية، وبأمانة، برغم تخلي الأهالي عنه. وهذا ما خلق صدامات من وقت لآخر بين الأهالي ومؤسساتنا التعليمية النسائية ومن المتوقع أن يخلق المزيد منها، ويمكن الأعنف إن لم تغير الجامعات أسلوب تعاملها مع الطالبات وتخفف من بعض الضغوط والاشتراطات غير المبررة عليهن.
عودة للون الأسود وصلاحيته للبيئة التعليمية دون غيره، حيث هذا يجعل من بيئة تعليمية فنتازية كهذه بيئة خطرة على حياة الطالبات. حيث الاهتمام بشكل ولون ما تلبس الطالبة ليس فقط مقدما على الاهتمام بما تتعلمه أو تحصل عليه من تنمية الذات وخلق الشخصية والسعي لتقويتها، وإنما هو مقدم كذلك حتى على أهمية سلامتها وحياتها. وهذا الحرص الأكثر من زائد على نوع ولون ملابسها نتجت عنه وفاة الكثيرات منهن، حيث منع دخول المسعفين إليهن وحياتهن بأمس الحاجة لهم، خشية أن يطلعوا على ملابسهن وألوانها!
شكراً لخادم الحرمين الشريفين الذي واصل ابتعاث الآلاف من طلبتنا وطالباتنا كل سنة ليتعلموا في أرقى الجامعات العالمية، وليعودوا إلينا متسلحين بالعلم والتربية وقوة الشخصية ليقودوا التغيير لدينا للأفضل، حيث وقفت مؤسساتنا التعليمية عاجزة عن تحقيقه بسبب خصوصية بيئاتها التعليمية الفنتازية.