الجلوس في حضرة الحاج السبعيني العم سيد الريدي، يشعرك منذ الوهلة الأولى بأنك لا تجلس أمام شخصية عادية، بل وكأنك تجلس أمام "شاهد على عصر" الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة "حرب أكتوبر" التي شنتها في ذاك الوقت مصر وسورية على إسرائيل في السادس من أكتوبر 1973، بهجوم مفاجئ من قبل الجيشين على القوات الإسرائيلية التي كانت مرابطة في سيناء وهضبة الجولان.
الدمياطي سيد الريادي صاحب الـ75 عاماً، كان من بين جنود تلك المعركة، التقته "الوطن" بين جنبات مشعر منى، من دون سابق موعد، وحينما تسأله عن دوره في "نصر أكتوبر"، ينسى حتى عمره، ويعود لـ41 عاماً، حينما شارك في حرب 73 كضابط برتبة نقيب بالقوات الخاصة، يتذكر تفاصيل دقيقة في ذاك اليوم حينما ودع جميع أهله، واضعاً أمامهم خيار "الاستشهاد واللاعودة" لهم.
لم يستشهد الحاج الريدي في تلك الحرب، وكتب الله له عمراً جديداً كما يقول المصريون، بل إن ذلك الانتصار كانت بمثابة الباب المفتوح لعلاقة مديدة "المشاعر المقدسة" وحج بيت الله الحرام لأكثر من 22 عاماً، فكانت حجته الأولى في 1975 شكرا لله على استرداد السيادة المصرية الكاملة، ورد اعتبار لحرب الأيام الستة "نكسة حزيران" 1967 إبان فترة الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر.
"الذاكرة السياسية والعسكرية" للنقيب الريدي ما زالت بخير، حينما ينتقل من محور لآخر، ويصعب عليك حصرها من نوعية التفاصيل وكثرتها، إلا أن أهم ما استجلبه من ذاكرته التي لم تدخل مرحلة الشيخوخة، راويا قصة تكريمه في بداية حقبة الستينات في منتصف القرن الماضي وتحديدا قبل 54 عاما في "عيد العلم" بجائزة التفوق العلمي لتميزه في مجال الرسم التشكيلي، بمعرض دمشق الدولي، إبان ما يعرف بالجمهورية العربية المتحدة "الوحدة المصرية السورية"، التي أعلنت في 22 فبراير 1958، وفك ارتباط الجمهوريتين في 28 سبتمبر 1961، بعد انقلاب عسكري حدث في دمشق.
بعد حصوله على تلك الجائزة تم استيعاب الريدي، وتم تدريسه على نفقة الحكومة المصرية في إحدى الجامعات، لينضم فور تخرجه إلى قطاع الجيش الوطني المصري، ولم تنته قصة "الريدي" مع عبدالناصر التي استمرت إلى ما بعد وفاته، حينما أسندت إليه السلطات الحاكمة في ذلك الوقت الإشراف الأمني على حماية جثمان الرئيس، لثلاثة أيام متتالية، حتى تم تحديد مكان دفنه.
يعتبر عام 1977، البداية الحقيقة للرجل مع المشاعر المقدسة، ورحلة العشق مع الحج، التي كانت بصحبة والدته وزوجه، وإيذاناً بسلسلة طويلة امتدت لـ22 حجة، و115 عمرة طاف فيها بين الحجر الأسود والركن اليماني.
لم يحج بمفرده طوال مسيرته مع المواسم التي كتب له فيها الحج، بل يحرص على اصطحاب عدد من أفراد أسرته وأقاربه، ممن لم يحجوا للبيت المعمور، بل إنه يفتخر بأنه حجج جميع أبنائه وأحفاده.
بعد ترك النقيب السابق للقوات الخاصة المصرية لمجاله، اتجه إلى خط مغاير وأضحى من كبار رجال الأعمال في صناعة العطور في منطقة الشرق الأوسط والقارة الآسيوية.