استبشر المواطنون خيرا بتفعيل نظام الرهن العقاري وانطلاق عدد من مشاريع التطوير العقاري، والجهود التي تبذلها وزارة الإسكان من أجل معالجة أزمة السكن التي تفاقمت كثيرا في المشهد المحلي.

البنوك أيضا قدمت منتجات مختلفة يتمكن المواطن خلالها من الحصول على مسكن سواء كان شقة أو فيلا أو دوبلكس.. إلخ من أنواع الوحدات السكنية.

على الرغم من الظروف السيئة والأزمة العقارية المفتعلة إلا أن المواطن كان يستطيع على الأقل أن يتدبر أمره فيما سبق وغالبا يتمكن من إيجاد نسبة الـ5? التي يدفعها المشتري كمقدمة. بعد تطبيق قرار مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" الأخير القاضي بإلزام مُقترِض المنتج العقاري بدفع نسبة30? مقدما! تعطلت كثير من عمليات الشراء وأصيب كثير من شرائح المجتمع بالذهول من هكذا قرارات غير مدروسة وتزيد معاناة المواطن.

كي تكون الصورة أقرب إلى ذهن القارئ الكريم سنضرب مثلا بسيطا لشاب يرغب في شراء منزل صغير له ولأسرته، ولنفترض أن سعر هذا المنزل مليون ونصف المليون ريال فكانت الدفعة المقدمة 75 ألف ريال وهي تمثل 5% كدفعة مقدمة، وكان يستطيع تدبير المبلغ بطريقة أو بأخرى ثم يستمر في دفع الأقساط الشهرية على 25 عاما. حين بدء تنفيذ هذا القرار المجحف أصبح المواطن السعودي أو المواطنة مطالب بأن يدفع 54 ألف ريال كدفعة مقدمة، الفرق كبير جدا فمن أين سيستطيع تدبير مبلغ يصل لقرابة النصف مليون ريال؟!

"ساما" أو مؤسسة النقد العربي السعودي تعدّ بمثابة البنك المركزي المهيمن على البنوك العاملة في البلاد، ومن الطبيعي أن تلتزم البنوك المحلية وشركات التمويل العقاري بتنفيذ القرار، رغم عدم قناعة كثير من إدارات البنوك على هذا القرار، وقد سمعت ذلك من تنفيذين كبار في بنوك مختلفة من المعارف والأصدقاء.

هل يعلم الأحبة في "ساما" أن أكثر من 90% من المقترضين لن يستطيعوا تدبير مبالغ ضخمة كتلك التي أثقلوا كاهل المواطن بها؟ هل يعلم الأخوة في "ساما" أنهم بهذا القرار الجائر قد قضوا على أحلام كثير من الأسر السعودية الشابة في الحصول على مسكن بعد سنوات من الإيجارات والانتقال من مكان إلى آخر؟ هناك من يقول إن "ساما" تعتقد أنه حين تتعطل حركة البيع ويصبح هناك ركود لفترة من الزمن أن هذا الأمر سيجعل أسعار العقار تنخفض وهذا غير صحيح لأكثر من سبب، وأعتقد أن عدم تمكين الشاب السعودي من الحصول على قروض سكنية من البنوك، وتعقيد هذا الإجراء بطريقة مستفزة للمجتمع، لن يزيد المواطن إلا إلى مشكلة جديدة تضاف إلى باقة المشاكل التي يعاني منها، من بطالة وسوء في الخدمات الصحية والطرق وغلاء المعيشة إلخ.

منذ بدأ تطبيق هذا النظام في البنوك في بداية نوفمبر الجاري والفاعلين في المشهد يطالبون متخذ القرار في "ساما" بمراجعة القرار وإعادة دراسته وبيان عواره وخطره على نسف أحلام الشاب السعودي في الحصول على فرصة امتلاك منزل من خلال نظام التأجير المنتهي بالتمليك.

تحدث الكثير من الزملاء والزميلات الإعلاميين وخبراء الاقتصاد وكثير من التنفيذيين في البنوك وكبريات الشركات العقارية عن ضرورة إيقاف تنفيذ هذا القرار وعودة النظام السابق، إذ يدفع المقترض فقط 5? من قيمة العقار المراد شراؤه.

الكثير من الفعاليات والمختصين والراغبين في الحصول على قروض سكنية والاستفادة من أنظمة الرهن والتطوير العقاري الحديثة يأملون من مسؤولي "ساما" مراجعة هذا القرار وإعادة دراسته، وأن المغامرة بتنفيذه ستقود إلى ركود تام في حركة الشراء، ولن يستطيع المواطن السعودي الحصول على منزل المستقبل! فلماذا يتم تعقيد الأمور وزيادة معاناة المواطن؟!

الأسعار لن تهبط وستواصل هذا السعار الجنوني في الارتفاع ما لم تفرض الدولة رسوما وضرائب على الأراضي البيضاء فيضطر هوامير العقار أولئك الذين يملكون ملايين الأمتار إلى استثمار الأراضي وبيعها، فتهدأ الأسعار ويتكامل مع ذلك جدية وزارة الإسكان في الإسراع بتنفيذ وعودها فيما يتعلق بمشاريع الإسكان.

نأمل من وزير الإسكان ـ بحكم مسؤوليته عن حل أزمة الإسكان في هذا البلد القارة الذي تعاني فيه الوزارة شح الأراضي ـ أن يعقد اجتماعات مع محافظ مؤسسة النقد ووزيري الاقتصاد والمالية، إضافة إلى البنوك وشركات العقار، لمراجعة هذا القرار وإلغائه حتى يتمكن المواطن السعودي من الحصول على مسكن.