لم تكن "ليلة الخميس" المنصرمة مطرزة بنور القمر كما تغنى بها الفنان محمد عبده، بل على العكس كانت ليلة استمرار مسلسل الخيبات الرياضية التي شكلت إحباطا للشارع السعودي بعد الهزيمة المستحقة التي جرجرنا أذيالها ليحظى المنتخب القطري بالذهب والحظوة وحبّ جماهيره، ولتزداد مساحة التساؤلات وتتكاثر علامات التعجب وفضاءات الدهشة عن منتخب جُيشت من أجله وسائل الإعلام، ونخب المجتمع ولم يخل مجلس من المجالس من التحدث عنه، وأنفقت عليه وعلى مدربه "التعيس" الأموال الطائلة، لتنفث الجماهير السعودية الآهات والزفرات الطويلة، ولنعود من جديد فنجتر أحاديث اللوم والعتاب وتنمو في مزارع جدالنا نباتات "ليت، ولو" الشائكة دون طائل أو ترقب ثمرة.
أقرأُ هذا الواقع المرير من زاوية ثقافية اجتماعية، فأجد نسقا مختلا لكنه على الرغم من ذلك يلقى من يتلذذ باختلاله وخلله، بل يعتاش منه وعليه ويروج له، فمنذ تلكم الليلة الحزينة ستبدأ فرق الإعداد والتحرير في تجهيز برامج "العراك الفضائي" الجاذبة للإعلانات، وسيزج بأسماء "الملسونين" من المتعصبين لآرائهم أو لأنديتهم في حوارات ترفع عقيرتها بالنشاز الذي لا يخدم ولا يقدم شيئا سوى الإثارة المقيتة، كل هذا كان وسيكون، وفي الجهة المقابلة سيجلس على مقاعد "مسرح الفرجة" شريحة عظمى من شبابنا يمتعهم ما يسمعونه من جلد الذات بسياط النقد الزائف، فتؤسر عقولهم واهتماماتهم وتوجهاتهم داخل قواقع التعصب والانتقام والتسلط اللفظي في أحايين كثيرة، وتنشأ بينهم الإحن والعداوات، ليذهب الهدف الأسمى من الرياضة والتنافس الشريف إلى هاوية سحيقة نحتاج معها إلى فترات من الجهود الاجتماعية والتربوية والثقافية لنستعيد ما فقدناه، فيما هناك في زاوية مظلمة يعكف مثقف جاد أو مبدع مطبوع أو مبتكر حاذق يجاهد الظروف كلها من أجل بصيص من ضوء، ويصارع كتائب المستحيل كيما يخرج إلى الوهج فلا يجد إلى جواره وفي طريقه سوى خنادق النكران، وأسوار التجاهل فينكفئ على ذاته يموت داخلها، لكم أطمح إلى منتخب من المثقفين والمبدعين والمبتكرين ننافس به العالم بأسره، منتخب له محبوه وجمهوره وأعضاؤه الداعمون المغدقون، منتخب لا يشكو قلة الحيلة وضيق ذات اليد، كما لا يشكوها "لاعبو الملايين" اليوم، منتخب ثقافي شاب مطعم بالخبرات ومرصع بالنجوم تتسابق إليهم الأضواء، منتخب ثقافي يعتلي المنصات الفكرية والإبداعية، منتخب نغني معه: "سارعي للمجد والعلياء.." ونحن على ثقة بأننا للفوز أهل، وإلى التميز سباقون.