دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، دول العالم الإسلامي، إلى التكاتف في الحرب على الإرهاب وصولا إلى دحره، واصفا إياه بـ"العضو الفاسد" الذي لا علاج له سوى الاستئصال، مشددا في كلمته التي ألقاها نيابة عنه ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أمام قادة الدول الإسلامية ورؤساء بعثات الحج، على مضي البلاد في استئصال هذه الظاهرة بلا هوادة، حماية لأبناء الأمة من الانزلاق في مسارب الأفكار المتطرفة والانتماءات الخاصة على حساب الأخوة الإسلامية.
وانتقد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الصمت الدولي بكل مؤسساته ومنظماته إزاء ما يحصل في بعض أجزاء هذا العالم من سفك للدماء البريئة وتشريد للمستضعفين في الأرض وانتهاك للحرمات، مؤكدا أنه لا سبيل أمام حقن دماء الأمة وصون عرضها إلا بالوقوف في وجه الظلم، وجهر الصوت بالحق لرأب الصدع الذي أصاب الصف الإسلامي، ولم شتاته، والإبحار به إلى بر الأمان، وإخماد بؤر الصراع والتناحر وإطفاء مشاعل الفتنة، ومكامن التشرذم، ليحيا هذا العالم في أمن وسلام ومحبة، منوها بأن الحوار هو سبيل التعايش في هذه الحياة الدنيا.
أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أن المملكة ما تزال ماضية في حصار الإرهاب ومحاربة التطرف والغلو، "ولن تهدأ نفوسنا حتى نقضي عليه وعلى الفئة الضالة التي اتخذت من الدين الإسلامي جسراً تعبر به نحو أهدافها الشخصية، وتصم بفكرها الضال سماحة الإسلام ومنهجه القويم"، مشيرا إلى أن" الغلو والتطرف وما نتج عنهما من الإرهاب يتطلب منا جميعاً أن نتكاتف لحربه ودحره، فهو ليس من الإسلام في شيء، بل ليس من الأديان السماوية كلها، فهو عضو فاسد ولا علاج له سوى الاستئصال".
جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها نيابة عن خادم الحرمين، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، في الديوان الملكي بقصر منى أمس، خلال حفل الاستقبال السنوي لقادة الدول الإسلامية وكبار الشخصيات الإسلامية وضيوف خادم الحرمين ورؤساء بعثات الحج الذين أدوا فريضة الحج هذا العام.
وهنأ خادم الحرمين في كلمته ضيوف الرحمن والأمة الاسلامية جمعاء بعيد الأضحى المبارك، مؤكدا أنه في نسك الحج نموذج واضح لمعنى الأمة الحقة، في أسلوب التآخي والتواد والتراحم فيما بين المسلمين، وقال "إن دعوة الإسلام الجوهرية تتجلى في هذا التجمع الكبير وفي مكثهم وقد اتحدوا في زمان واحد ومكان واحد، وهو ما يظهر إلى أي حد حرص هذا الدين العظيم على الدعوة إلى العيش في سلام، متفقاً في ذلك مع جوهر الديانات السماوية الأخرى في السعي إلى صيانة الإنسانية من نزق التطرف، وحقن الدم الإنساني الثمين".
وشدد خادم الحرمين في كلمته على أنه "لا سبيل إلى التعايش في هذه الحياة الدنيا إلا بالحوار، فبالحوار تحقن الدماء وتنبذ الفرقة والجهل والغلو، ويسود السلام في عالمنا. وإن الأمل ليحدونا بأن يؤتي مركز الحوار بين أتباع الأديان أكله في دحر الإرهاب الذي اشتكى منه العالم كله ورزئ به عالمنا الإسلامي اليوم "، داعيا المعلمين والمعلمات أن يهيئوا أبناءهم الطلبة لخوض حياة تقبل الآخر، كذلك الأم بأن تحسن رعاية أبنائها وأن تغرس في نفوسهم "أن الدين الإسلامي دين محبة وتحاور وتعايش لا دين نبذ وبغض".
وكان الحفل قد بدأ باستقبال سمو ولي العهد، للرئيس السوداني عمر حسن البشير، والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، والرئيس البنجلاديشي محمد عبدالحميد، والرئيس المالديفي عبدالله يمين عبدالقيوم، ورئيس جمهورية تتارستان رستم مينيخا، ورئيس الحكومة التونسية السابق حمدي الجبالي، والوزير الأول السابق الموريتاني الدكتور مولاي ولد محمد الأغطف، ورئيس البرلمان التركي جميل تشينيك، ورئيس مجلس الشيوخ الباكستاني نير حسين بخاري، وكبار المسؤولين في عدد من الدول الإسلامية.
نص كلمة خادم الحرمين
إثر ذلك ألقى سمو ولي العهد كلمة خادم الحرمين التي وجهها إلى حجاج بيت الله الحرام، وفيما يلي نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل في كتابه الكريم "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين، فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين".
والصلاة والسلام على خير الأنام المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد بن عبدالله القائل "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".
أيها الإخوة والأخوات: ضيوف الرحمن.. حجاج بيت الله الحرام.
الإخوة والأخوات.. أبناء أمتنا الإسلامية في كل مكان.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:-
فأحييكم من جوار بيت الله العتيق من مهبط الوحي ومنبع خاتم الرسالات؛ الرسالة الإسلامية الداعية إلى التسامح والتحاور، أهنئكم في مشعر منى، وأهنئ الأمة الإسلامية جمعاء في مشارق الأرض ومغاربها بعيد الأضحى المبارك الذي وصفه الله عز وجل في محكم التنزيل بيوم الحج الأكبر، بعد أن وقف المسلمون يوم عرفة ملبين ومهللين ومكبرين. وأسأل المولى لإخواني الحجاج أن يكون حجهم مبروراً وسعيهم مشكوراً وذنبهم مغفوراً، إنه هو الغفور الودود، وأحمد الله جلت قدرته على ما أنعم به علينا جميعاً من العيش في هذه الأجواء المفعمة بحلاوة الإيمان، الزاهدة في مباهج الحياة وزخرف الدنيا، وقد اتجه الجميع إلى ربهم الواحد الأحد رافعين أكف الضراعة والابتهال والتذلل بين يديه يرجون دعوة مستجابة وتجارة لن تبور ويسألون المولى بأن يتقبل حجهم وصالح أعمالهم، فأسأل الله العلي القدير أن يجيب دعاءكم ويتقبل منكم حجكم وسعيكم ونسككم.
إخواني وأخواتي المسلمين:
إن فريضة الحج وقد جاءت آخر أركان الإسلام ومطهرة للإنسان مما ران على قلبه من الذنوب والأدران لتشير بجلاء ووضوح إلى ما يعقبها من حياة جديدة يعمرها العبد بالأعمال الصالحة، وبتوثيق عرى الأخوة الإسلامية الحقة بين المسلم والمسلم، وذلك لما عاشه المسلمون خلال أيام الحج من تآخ فيما بينهم، بعد أن جاؤوا من أصقاع المعمورة بثقافات وعادات ومذاهب مختلفة، فكانت قبة المشاعر تظللهم جميعاً لا فرق بين عربي وعجمي ولا بين أبيض وأسود، وعاشوا جميعاً في أيام معدودات تجمعهم عقيدة الإيمان بالله، فاجتمعوا عليه ويفترقون عليه بإذن الله، لا تشوب صفاء نفوسهم شائبة، ولا توغل صدورهم نزعة من نزعات الشيطان والعياذ بالله، فكانوا عباد الله إخواناً، فالمسلم - كما قال نبي الأمة عليه الصلاة والسلام "أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره".
أيها الإخوة والأخوات:
في نسك الحج نموذج واضح لمعنى الأمة الحقة، في أسلوب التآخي والتواد والتراحم فيما بين المسلمين، والمساواة والعدل في ظل شرع الله القويم، وهدي رسوله الأمين، وكأنما دعوة الإسلام الجوهرية تتجلى في هذا التجمع الكبير وفي مكثهم وقد اتحدوا في زمان واحد ومكان واحد، وهو ما يظهر إلى أي حد حرص هذا الدين العظيم على الدعوة إلى العيش في سلام، متفقاً في ذلك مع جوهر الديانات السماوية الأخرى في السعي إلى صيانة الإنسانية من نزق التطرف، وحقن الدم الإنساني الثمين، فقد صح عن نبي الأمة صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو يطوف بالكعبة: "ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه وأن نظن به إلا خيراً".
ولا سبيل إلى التعايش في هذه الحياة الدنيا إلا بالحوار، فبالحوار تحقن الدماء وتنبذ الفرقة والجهل والغلو، ويسود السلام في عالمنا. وإن الأمل ليحدونا أيها الإخوة بأن يؤتي مركز الحوار بين أتباع الأديان أكله في دحر الإرهاب الذي اشتكى منه العالم كله ورزئ به عالمنا الإسلامي اليوم، وإني لأرى وترون بإذن الله تعالى بوادر نجاح دعوتنا للحوار بين أتباع الأديان بأن غدا ثقافة عالمية، ونهجاً يدعو إليه الكثيرون، نسأل الله أن يحقق لنا مرادنا فيصبح الحوار والنقاش أساس التعامل فيما بين الأمم والشعوب، ونعلن - كما نعلن على الدوام - أن المملكة ما تزال ماضية في حصار الإرهاب ومحاربة التطرف والغلو، ولن تهدأ نفوسنا حتى نقضي عليه وعلى الفئة الضالة التي اتخذت من الدين الإسلامي جسراً تعبر به نحو أهدافها الشخصية، وتصم بفكرها الضال سماحة الإسلام ومنهجه القويم.
أيها الإخوة والأخوات:
لا يخفى عليكم ما للحوار من أهمية، ولن يصل المسلمون والعالم أجمع إلى هذا الهدف النبيل إلا بأن تكون الأجواء كلها مهيأة لذلك، وهذا الأمر يتوقف على التنشئة الأساسية للأبناء والأجيال ورعاية الشباب، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. إني لأرجو أن يكون علماء هذه الأمة ودعاتها وأصحاب الفكر قدوة للشباب بإعطائهم النموذج الأمثل في الحوار والتعامل، وأن يبينوا للمسلمين جميعاً ما ينطوي عليه الدين الإسلامي من سماحة ووسطية كما عاشها سلفنا الصالح حينما كان منهجهم السير على قول المصطفى صلى الله عليه وسلم" إلا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا".
كما على المعلمين والمربين في مدارسهم أن يهيئوا أبناءهم الطلبة لخوض حياة تقبل الآخر، تحاوره وتناقشه وتجادله بالتي هي أحسن، فالمنهج المدرسي بيئة مناسبة لتعويد الطالب على التحاور، وتعويده على أن الخلاف مهما كان يحل بالنقاش والحوار، وتدريبه على الأسس الشرعية التي دعا إليها ديننا في تلقي الآخر. وإنه ليحسن هنا أن أذكر الأم بعظم الرسالة الملقاة على عاتقها، فالأم المدرسة الأولى التي يعي منها الأبناء منذ نعومة أظفارهم ما لا يعونه من الآخرين، فإن أحسنت الرعاية أينع غرسها وأثمر. بل ينبغي على كل من استرعي أحداً من أبنائنا أن يغرس في نفوسهم أن الدين الإسلامي دين محبة وتحاور وتعايش لا دين نبذ وبغض، وقد أعطانا المصطفى صلى الله عليه وسلم وصفة إسلامية في الحياة حين قال "والذي نفس محمد بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".
إن الغلو والتطرف وما نتج عنهما من الإرهاب يتطلب منا جميعاً أن نتكاتف لحربه ودحره، فهو ليس من الإسلام في شيء، بل ليس من الأديان السماوية كلها، فهو عضو فاسد ولا علاج له سوى الاستئصال، وإنا ماضون في استئصاله بلا هوادة بعزم وبعون من الله عز وجل، وتوفيق منه بإذنه تعالى، حماية لأبنائنا من الانزلاق في مسارب الأفكار المتطرفة والانتماءات الخاصة على حساب الأخوة الإسلامية.
إخواني المسلمين:
إن ما يعيشه العالم من تناحر وتباغض وتباعد وفرقة ليندى له جبين الإنسانية، وتفرق له النفوس السوية، وسيشهد التاريخ في يوم ما على هذا الصمت الدولي بكل مؤسساته ومنظماته، حينما يدون ما يحدث في بعض أجزاء هذا العالم من سفك للدماء البريئة وتشريد للمستضعفين في الأرض وانتهاك للحرمات، ولا سبيل إلى حقن دماء إخواننا وأبناء أمتنا وصون أعراضهم إلا بالوقوف في وجه الظلم، وجهر الصوت بالحق لرأب الصدع الذي أصاب الصف
الإسلامي ، ولم شتات الأمة والإبحار بها نحو بر الأمان ووحدة الموقف وجمع الكلمة، وإخماد بؤر الصراع والتناحر، وإطفاء مشاعل الفتنة، ومكامن التشرذم، ليحيا هذا العالم في أمن وسلام ومحبة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.