اسمع "زي العسل، ساعات ساعات، أيام اللولو، يانا يانا.." إلخ، اسمع ما يربو على أربعة آلاف أغنية، فهي ما ستبقى بعد أن أخرس الموت تلك السخريات التي نالت من شيخوخة صباح.
لم تكن تلك النكات سوى شكل سخيف للغيرة من حياة امرأة لم تنهزم أمام مقولات وإرث يسحق الحياة، إرث عربي مريض، وملطخ بالدم والقتلى، ومفاخرات الشعر التافهة، يستكثر على امرأة أو رجل أن يعيش بكل هذه البهجة.
نعم لم تكن تلك السخريات إلا غيرة من الحياة الفرحة التي عبرتها الشحرورة. وتلك الحفلة السمجة من الشماتة بِهِرم سيدةٍ، روحها وعقلها حر كهذه، ولغت فيها النسوة والرجال على حد سواء، على امتداد الوطن العربي، ففي حين قدمت لهم الفرح، واستعملوا أغنياتها في لياليهم وصباحاتهم وقصصهم الحقيرة، كالوها في الوقت نفسه بضغينتهم إزاء عالمها الشخصي، وإزاء عمرها الذي لم يستطيعوه، وكانوا غير قادرين على استيعابه.
ماتت صباح بعد سبعة وثمانين عاما، وفي اليوم نفسه انخرست كل تلك الأفواه. ملايين وملايين في الأيام القلية الماضية سمع "زي العسل" و"ساعات.."، حشروا بها كل زاوية في مواقع الإنترنت وشاشات الفضاء، كأنه اعتراف بالصغر أمام حياة صباح وموتها.
رحم الله صباح، فقد كانت خارجة على هذا التاريخ الطويل من النكد والغم، سبقت الجميع، ولم تقبل أن يفترسها تراث يمجد الموت والمقابر والثرثرة، ويحقر الحياة والمحبة.