لم يكن الوصول لـ"ماريا لويز كالفو لايفا"، ذات الخمسين ربيعاً بالأمر الهين، وسط 3 ملايين حاج في المشاعر المقدسة، الأمر الذي تطلب بحثاً متواصلاً بين تلك الجموع لما يقرب من 48 ساعة، لتنجح بعدها محاولات بعثة "الوطن" الصحفية بالحج، في تحديد مخيم مدرسة اللغة الإنجليزية بالعاصمة الكوبية "هافانا".

في المخيم رقم 27، التابع للمؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأستراليا، كان المطوف حسام المسكي في استقبالنا قبل مقابلة "ماريا"، التي تمثل بمفردها بعثة حج دولة كاملة هي بعثة الحج الكوبية.

وصول "ماريا" للديار المقدسة، قصة منفردة بحد ذاتها، في رحلة "ترانزيت" استمرت 3 أيام، بدأت بـ12 ساعة من "هافانا" إلى "موسكو"، ومنها إلى دبي في حدود 7 ساعات، وصولا إلى جدة، وتخلل ذلك ساعات انتظار طويلة.

علاقة حسام بـ"ماريا"، مميزة جداً، فهو يناديها بـ"أمي"، وهي تخاطبه بـ"ابني"، بل إن جميع العاملين في مجموعة الخدمة الميدانية رقم 27 ينادونها بـ"أمي"، تشعرك بأن بينهم معرفة تمتد لسنوات.

"ماريا" لم تستوعب وجودها في مكة المكرمة إلا بعد مشاهدتها لقناة القرآن الكريم، ويصف أصيل الوعل لحظة مشاهدة "ماريا" للحرم المكي، واقترابها الشديد صوب "الشاشة الفضية".

في سيارة تاكسي انطلقت "الكوبية" بصحبة أصيل للمسجد الحرام، قبيل الفجر، لأداء طواف القدوم، وتتحدث هي عن نفسها قائلة "كلما اقتربت من بيت الله ازداد خفقان قلبي، من الهالة العظيمة التي تحيط بالبيت العتيق، وحينما اقتربت أكثر صوب رؤية الكعبة، تجمدت قدماي، ودخلت في موجة من البكاء الشديد، حتى إن أصيل قلق من الأمر، فالتفت إليه وقلت له ذاك من الفرح لرؤية ما حلمت به".

بين أطراف حديثها دائماً ما تذكر دور سفير المملكة في كوبا سعيد الجميع وفريق سفارته على دعمهم اللامحدود لتسهيل أمورها الإجرائية لقصد "المشاعر المقدسة" وتأدية فرض الحج، رغم أن دخولها للإسلام لم يتجاوز 7 أشهر فقط.

رغم الزحام الكثيف الذي واجهته "ماري" عند طوافها، كانت تمر كما تذكر بمرحلة شعور لم ينتابها من قبل، وتقول ودموعها تسيل بين خديها "رغم كثرة الناس وتدافعهم كنت أشعر بأنني بمفردي مع الله عز وجل في الجنة".

"اللهم اغفر لي وأنقذ إخواني في غزة من إسرائيل"، هو الدعاء الوحيد الذي ظلت تردده "ماريا" التي تتقن 7 لغات عالمية، منذ مقدمها إلى حين موعد مغادرتها للمشاعر المقدسة، وينم حديثها عن انحياز للقضية الفلسطينية ووعي سياسي كبير، ويؤلمها جداً إجرام آلة الحرب الإسرائيلية على غزة، وقتلها لكثير من الأطفال.

سألتها "الوطن" بماذا خرجت من منى وعرفات ومزدلفة؟، لتجيب بكلمات معدودات "كأن الله يخاطبني يمكنك الآن البدء بحياة جديدة مليئة بالاطمئنان".